اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢١ أيار ٢٠٢٥
كتب الأب الياس كرم:
في بهاء الفصح الذي ينسكب علينا فرحًا سماويًّا، تتلألأ صلواتنا بعطر القيامة ونغمة الابتهاج، فتأخذني هذه الحالة الروحيّة العذبة إلى التمعّن في تلك الترتيلة العظيمة التي تتوّج قانون الفصح، حيث يجود المرتّلون وتصدح حناجرهم بملء الروح:إن الملاك تفوَّه نحو المُنْعَمِ عليها: أيتها العذراء النقيّة، افرحي، وأيضًا أقول: افرحي، لأن ابنك قد قام من القبر في اليوم الثالث. استنيري يا أورشليم الجديدة لأن مجد الرب قد أشرق عليك، افرحي الآن وتهلّلي يا صهيون، وأنتِ يا نقيّة، يا والدة الإله، اطربي بقيامة ولدك.
الليتورجيا الأرثوذكسية مشبعة بالفرح، ومفرداتها تفيض من بشرى الإنجيل – إيفانجيليون، أي الخبر السار. من هنا كتب الأب ألكسندر شميمان يقول: «هكذا يبدأ الإنجيل: ها أنا أبشّركم بفرح عظيم (لوقا ٢: ١١)، وهكذا يُختَتم: فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم (لوقا ٢٤: ٥٢).»
إنّه فرح الكتاب المقدّس، ذلك الفرح العميق الذي يتّخذ وجوهًا شتّى:افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا: افرحوا (فيليبي ٤: ٤).فالفرح، بحسب الرسول بولس، غاية الرسالة، ورجاء الملكوت، وهو لا يُقاس بظروف خارجية، بل يثمر في كل حال: في السعة والضيق، في الشدة والراحة، في الغنى والفقر، في الصحة والمرض. هو فرح يتجاوز الواقع ليمنح القوة لمواجهة الصعاب والانتصار على الألم.
وهذا الفرح بالذات، جسّده المطران نيفن صيقلي، ممثّل بطريرك أنطاكية وسائر المشرق لدى بطريركية موسكو وسائر روسيا، في تكريمه للعذراء مريم، ببنائه كنيسة سيدة الفرح غير المنتظر، على تلة تعانق الأرض بالسماء، في ربوع زحلة، ببركة البطريرك يوحنا العاشر.
بناء هذه الكنيسة المميّزة كان ترجمة حيّة لكلام الإنجيل، وتحديدًا قول العذراء: فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوّبني (لوقا ١: ٤٨). إكرام المطران نيفن للعذراء أثمر هذا المقام البهيّ في تلال زحلة، شاهدًا على محبّته لها وعبادته لله.
صرحٌ روحيّ باذخ، يتوّجه متحفٌ يحمل بصمة المطران صيقلي، شاءه أن يكون في أبهى حلّة، مستوحيًا من المزمور الذي ردّده مرارًا: يا ربّ، أحببتُ محلّ بيتك وموضع مسكن مجدك (مزمور ٢٦: ٨).
ولست في هذه السطور مادحًا، بل شاهدَ حقٍّ في رجلٍ لم يعرف في حياته إلا التواضع سُلَّمًا نحو الفرح السماوي. جعل المطران نيفن من مقرّه في موسكو قلّايةً أنطاكية، محجًّا لأبناء الكنيسة، وواحة سلام للراغبين بالطمأنينة، فصار الأنطش الأنطاكي مع سيادته منارةَ رجاءٍ وملاذًا أمينًا في وجه الخطر.
احترم القوانين وخضع لها، فجعل من الأنظمة وسائل في خدمة الرسالة والبشارة. جعل من كرسينا الأنطاكي في موسكو سفارة روحيّة، حمل وجع المشرقيّين بأمانة، وواكب أوضاع اللبنانيّين في روسيا دون تفرقة. لم يُقصّر مع أبناء الجالية الروسيّة في الشرق، فخدمهم بمحبة وصدق، مدفوعًا دومًا بأفراح الملكوت التي قادته لمواجهة التحديات بقلبٍ ممتلئٍ سلامًا وفرحًا.
هنيئًا لك، سيّدنا نيفن، هذا الحلم الذي صار حقيقة. هنيئًا لأبرشيّة زحلة وملاكها المطران أنطونيوس الصوري بهذا الصرح المبارك، وهنيئًا لأنطاكية المجيدة، التي ستبقى رغم كلّ التحديات مشعّة بالمجد والرجاء.
لقد بدأت مسيرتك التكريسية بفرح سكَبَته فيك العذراء في زحلة، وها أنت تعود إليها بعد عقود، لتقدّم لها مقامًا يفيض فرحًا وسرورًا.دعاؤنا أن يهبك الرب سنينًا عديدة ومديدة، لتبقى تردّد بصوتك الجهوريّ:افرحي أيتها الملكة، فخر العذارى والأمّهات.