دربي لا يُنسى... «واللّعيب؟»

كتب دوري «وصل» تاريخاً جديداً لكرة السلة اللبنانية في 12 أيار 2025، حين التقى أساس اللعبة: الرياضي بيروت والحكمة، في ملعب «نهاد نوفل»، في مواجهة أشعلت العاصمة من جديد.

مباراة لم تكن عادية على الإطلاق، بل كانت ليلة خارقة للرياضي بيروت، الذي حسم اللقاء بنتيجة 101-71، في مشهد يعيد لذاكرة الجماهير أيام الزمن الذهبي للدربي، الذي هو سبب أهمّية هذه اللعبة.

جمهوران تحت سقف واحد بعد غياب 16 سنة

للمرّة الأولى منذ عام 2009، اجتمع جمهور الرياضي والحكمة في المدرّجات عينها، في مشهد نادر، عاطفي، وصاخب. أكثر من 3,100 مشجّع حضروا إلى ملعب «نهاد نوفل»، لا ليشاهدوا مباراة فقط، بل ليعيشوا ذاكرة، وينفخوا الروح من جديد في واحدة من أعرق المنافسات في الشرق الأوسط. كانت الأعلام تتراقص، والهتافات تتقاطع، والطاقة لا تُوصف.

من محامي الحلبة إلى ملك القلعة... هيمنة رياضية بحت

في ليلة تاريخية على أرض ملعب «نهاد نوفل»، تألّق لاعبو فريق الرياضي بيروت بقيادة وائل عرقجي، الذي أدار الهجوم ببراعة، مسجّلاً 36 نقطة وصانعاً للعب بـ6 تمريرات حاسمة، مؤكّداً مكانته كقائد حقيقي في الميدان. إلى جانبه، خطف النجم الأسترالي ثون ميكر الأضواء بأداء متكامل، مسجّلاً 14 نقطة وملتقطاً 10 «ريباوند» من دون أي فقدان «دانك»، ومؤكّداً دوره الحاسم كـ»حامي الحلبة» بفضل حضوره الدفاعي وهيمنته تحت السلة، إذ نفّذ أكثر من «بلوك» حاسم وأغلق المنطقة على اختراقات الخصم.

كما لعب هايك غيوكجيان دوراً تكتيكياً مهمّاً بـ12 نقطة و5 متابعات، مؤكّداً فاعليته في الأوقات الحاسمة وكريم زينون بـ14 نقطة.

الحكمة قوية... لكنّ الـ»كمستري» ليست موجودة

على رغم من الخسارة القاسية، قدّم بعض لاعبي الحكمة أداءً فردياً لافتاً يستحق التقدير. تميّز زاك لوفتون كأبرز نجوم الفريق، مسجّلاً 17 نقطة مع 4 متابعات و5 تمريرات حاسمة، فيما ساهم كل من سي جي لالان وجو أوبراينت بـ13 نقطة لكل منهما، وأظهرا طاقة بدنية واضحة في الهجوم والارتداد. كما قدّم جاد خليل مباراة قوية دفاعياً وهجومياً، محققاً 10 نقاط و10 متابعات في «دابل دابل» مشرفة.

إلّا أنّ المشكلة الأساسية للحكمة كانت واضحة: ضعف الانسجام بين الخطوط، كثرة التبديلات، وغياب هوية جماعية واضحة على أرض الملعب. فالفريق افتقر إلى التناغم في التنظيم الهجومي والارتداد الدفاعي، ما انعكس على عدد التمريرات الحاسمة (13 فقط) مقابل 25 تمريرة للرياضي، ومعدّل تسديد منخفض بلغ 37,9%.

الأفراد حاضرون، لكنّ الفريق كمنظومة ما زال بحاجة لبناء «كيمستري» حقيقية ليترجم هذا المجهود إلى نتائج.

وائل عرقجي... «بغير عالم»

قدّم النجم وائل عرقجي أداءً استثنائياً، مؤكّداً مرّة جديدة أنّه ليس فقط نجم الفريق، بل نجم الساحة المحلية وآسيوياً. سجّل 36 نقطة في سهرته الخاصة، منها ثلاثيات قاتلة، واختراقات نارية، جعلت دفاعات الحكمة تبدو عاجزة تماماً عن الحدّ من خطورته.

لغة الأرقام

بعيداً من الأجواء الحماسية والهتافات، تؤكّد الإحصاءات أنّ الرياضي فرض سيطرته الكاملة على اللقاء من صافرة البداية وحتى النهاية. بلغت نسبة تسديده الإجمالية 50,6% مقابل 37,9% للحكمة، ما يعكس كفاءة هجومية عالية وقدرة على استثمار الفرص المتاحة.

على مستوى التسديد من خلف القوس، سجّل الرياضي 32,1% مقابل 42,3% للحكمة، لكنّ الفارق الحقيقي كان في التسديدات الثنائية، إذ سجّل الرياضي نسبة مذهلة بلغت 60,8%، ما شكّل عاملاً حاسماً في توسيع الفارق.

في معركة المتابعات، حافظ الرياضي على توازنه بـ42 «ريباوند» (12 هجومياً و30 دفاعياً) مقابل 44 للحكمة، على رغم من تفوّق الحكمة في المتابعات الهجومية (17 مقابل 12).

إلّا أنّ الفارق ظهر في التنظيم والفعالية، إذ قدّم لاعبو الرياضي 25 تمريرة حاسمة مقابل 13 فقط للحكمة، ما يدلّ إلى الانسجام العالي بين اللاعبين. أمّا على صعيد فقدان الكرة، فقد ارتكب لاعبو الحكمة 17 خطأ مقابل 5 فقط للرياضي، ما كلّفهم نقاطاً سهلة ومنح الخصم إيقاعاً مستمراً في التسجيل.

كرة السلة اللبنانية بألف خير

هذا الدربي لم يكن مجرّد مباراة، بل كان رسالة واضحة: الرياضي لا يزال الرقم الأصعب في معادلة كرة السلة اللبنانية، بتوازن بين المهارات الفردية والتنظيم الجماعي.

أمّا الحكمة، فعلى رغم من الخسارة فإنّه يمتلك خامات مميّزة تحتاج فقط إلى الانصهار ضمن منظومة جماعية واضحة. وبين الماضي المجيد والحاضر المتجدّد، يبقى هذا اللقاء دليلاً حياً على أنّ دربي بيروت لا يموت، بل يعود كل مرّة ليُشعل الساحة من جديد.