اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٩ أيلول ٢٠٢٥
استيقظ الإعلامي وليد عبود صباح الأحد على رسالة تهديد ووعيد وُضعت أمام منزله، موقّعة باسم جماعة أنصار الله الحوثية. لم تكتفِ الرسالة بإطلاق الشتائم والاتهامات، بل تخطّت حدود التهويل إلى التلويح الصريح بالخطف والتعذيب والقتل، وصولًا إلى دعوة ذويه ومحبيه لقراءة الفاتحة على روحه. تهديد مباشر يمسّ حياة إنسان أولًا، ويستهدف مهنة الإعلام برمّتها ثانيًا. حادثة جديدة تُضاف إلى سلسلة طويلة من التهديدات التي تستهدف الإعلام اللبناني الحر، وتحديدًا MTV ونداء الوطن.
هذه ليست الحادثة الأولى التي يُستعمل فيها خطاب الترهيب بوجه الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية اللبنانية. فـ MTV تتعرّض منذ فترة طويلة لحملات منظّمة تُصوّرها كمنبرمتصهين وعميل، وصولًا إلى التلويح بإهدار دم رئيس مجلس إدارتها ميشال المرّ وموظفيها. كذلك، نداء الوطن وُضعت في مرمى الاستهداف الدائم، حيث وُصِمت بأبشع النعوت مثل نداء الصهاينة ونداء الفتنة وكأن وصم الصحافيين بالخيانة بات مدخلًا مشروعاً للتحريض على قتلهم.
في حديث لـ نداء الوطن، أوضح عبود أنه وجد أمام منزله بيانين ملصقين بالمقلوب، إما أن الشخص الذي وضعهما كان مرتبكًا، أو التقى بأحد بسرعة، أو اشتبه بوجود حركة، أو قصده توجيه رسالة من خلال قلب الصفحة. وأضاف: طبعًا، لست جزءًا من المعادلة الإقليمية، والحوثيون اسم مستعار يُستعمل لجماعة وفئة معينة. وبما يخص عمل الأجهزة الأمنية، بدءًا من مخابرات الجيش مرورًا بالأمن الداخلي والأمن العام وصولًا إلى الأمن المعلوماتي، فمن المؤكد أنه سيتم التوصل إلى نتائج، وقد اتخذنا تدابير أمنية منذ مساء الأحد.
وختم حديثه بتوجيه رسالة إلى المهددين قائلًا: هدّدوا كما شئتم، فهذا ليس التهديد الأول ولن يكون الأخير، وكما كنا أقوى من التهديدات سابقًا كشخص ومؤسسة MTV، فلن نرضخ ولن نخاف.
وفي السياق، أشار وزير الإعلام بول مرقص في حديث لـ نداء الوطن، ردًا على سؤال حول احتمال عودة لبنان إلى زمن التهديدات: طبعًا لن نرجع إلى ذلك الزمن، نحن في زمن مختلف تمامًا، بل إن هذه آخر المحاولات، لأن هذا الأسلوب الذي خرجنا منه لن يعود. في عهدنا وولايتنا، لم يتوقف أي صحافي، ولم يتوقف أي برنامج. الإعلام أصبح في مكان آخر عمليًا وتكنولوجيًا، وقانون الإعلام الجديد سيبصر النور قريبًا، وأصبح في خواتيمه في لجنة الإدارة والعدل.
وأضاف: لن نكتفي ببيانات الإدانة، فهذا أمر معيب، بل سأحرص على المتابعة حتى الوصول إلى نتائج مع الأجهزة الأمنية والقضائية المختصة، لمعرفة من هو الفاعل، سواء كان من سمّى نفسه بالاسم الذي هدّد أو انتحل هذه الصفة. لن نترك هذا الأمر مجرد بيان استنكار، بل سنلاحقه حتى النهاية.
الأخطر، أنّ هذا الخطاب لم يعد حكرًا على حسابات فردية، بل وصل إلى منابر رسمية عبر تصريحات مسؤولين سابقين. فحين يخرج وزير سابق كمصطفى بيرم ليصف MTV ونداء الوطن بأنهما أبواق صهيونية، فإنّ التخوين يتحوّل إلى شرعنة علنية للعنف. بدل أن يكون السياسي حاميًا للحريات، يصبح مُغذّيًا لثقافة الترهيب، ومانحًا لجمهوره ومناصريه ضوءًا أخضر للمضيّ في مسار التخوين وربما ما هو أبعد من ذلك.
لكن، هل يُمكن لمثل هذه الرسائل أن تُسقط مبدأ حرية الصحافة؟ الجواب حتمًا لا. فالتجارب اللبنانية، على قسوتها، أثبتت أنّ التهديد قد يقتل الأجساد لكنه لا يخمد الحقيقة. وما من سلاح أشدّ فتكًا من الكلمة الحرّة حين تُكتب وتُقال في وجه الترهيب.
التهديدات التي تطال MTV ونداء الوطن ليست معزولة ولا عفوية. إنهما مؤسستان إعلاميتان ارتبط اسمهما منذ سنوات بخطاب نقدي واضح يزعج قوى الأمر الواقع. فـ MTV، من خلال برامجها ونشرات أخبارها، تُسلّط الضوء على ملفات حساسة تتعلق بالفساد، بالسيادة، وبالارتباطات الإقليمية التي تُكبّل لبنان. أما نداء الوطن، فجعلت من خطها التحريري منبرًا لمواجهة منطق السلاح غير الشرعي، والتبعية للخارج.
من أنتم لتوزّعوا صكوك الوطنية والخيانة؟ ومن أنتم لتصنّفوا هذا إعلاميًا صهيونيًا وذاك خائنًا؟ هل أنتم الذين خفتم على لبنان أكثر منّا؟ هل أنتم الذين دافعتم عن هذا الوطن بالكلمة والقلم، أم الذين حملتم السلاح وجعلتم من البلد ساحة صراع إقليمي؟ نحن حملنا الكلمة، وأنتم حملتم البندقية. نحن واجهنا بالحقائق، وأنتم واجهتم بالترهيب. فمن يعطيكم الحق أن تُهدّدوا وتخوّنوا وتُحلّوا دم الإعلاميين؟
هل حقًا هذه التهديدات صادرة عن الحوثيين، أم أنّها مجرّد توقيع وهمي يخفي وراءه جهات محلية تستخدم اسم أنصار الله كغطاء؟ ما معنى أن تصل رسالة تهديد إلى إعلامي لبناني ممهورة باسم جماعة خارج الحدود، فيما المستفيد الحقيقي من إسكات الأصوات الحرّة موجود هنا في الداخل؟ أليس من الأجدر أن يُطرح السؤال: من يملك المصلحة الفعلية في إسكات MTV ونداء الوطن، ومن يوفّر البيئة الحاضنة للترهيب باسم الغير؟
لكن مهما يكن الاسم الممهور على الرسالة، سواء كان أنصار الله الحوثية فعلًا، أو أي جهة أخرى تختبئ خلف توقيعها، فالنتيجة تبقى واحدة: ترهيب مباشر للإعلاميين في لبنان ومحاولة إسكات الكلمة الحرّة. لأنّ الخطر الحقيقي ليس في هوية الموقّع، بل في مضمون الرسالة وما تحمله من تهديد بالخطف والقتل والتصفية الجسدية. فما يهمّ الإعلامي في النهاية ليس من كتب الورقة، بل أنّ هناك من يعتبر الكلمة جريمة تستحق العقاب. وهنا يكمن الخطر: حين تُصبح حياة الصحافي رهينة مزاج جماعات مسلّحة، تتغيّر الأسماء لكن يبقى القمع واحدًا.
لعلّ الجواب الأبلغ على هذه الرسائل السوداء هو أن تبقى الكلمة أقوى من الترهيب، وأن يستمر الإعلاميون في أداء رسالتهم مهما اشتدّت التهديدات.