اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٢ أيار ٢٠٢٥
كتب ناصر قنديل في 'البناء':
يلتقي خصوم المقاومة ومؤيّدوها على خطاب يوحي بأن التطبيع كمشروع مطروح بصفته الأولوية في المنطقة، فيضغط خصوم المقاومة بالقول إن القطار يسير ومَن يتأخر يفوته القطار، وعليه أن يبقى في الزاوية بعيداً عن عائدات الازدهار والنمو التي سينالها المطبّعون. ويصرخ مؤيدو المقاومة للتحذير من خطورة تجاهل هذا المشروع الخبيث وينبّهون من مخاطره على الاقتصاد والهوية، وإذا كانت خلفية كل شخص أو مجموعة كافية لتحديد الموقف من التطبيع تأييداً أو معارضة، فإن ما يحتاج إلى فحص هو إلى أيّ مدى يجري الحديث عن مسار واقعي، فإذا لم يكن كذلك يصبح الاشتراك في حملة تحذير محورها القول إنه مشروع قادم نوعاً من الحرب النفسية لمواجهة خطر وهميّ يتم التهويل به إعلامياً لمنح الاحتلال ومؤيّديه مظهراً من مظاهر القوة، وفي أحسن الأحوال يكون قتالاً لطواحين هواء ومخاطر غير موجودة راهناً، وانصراف عن التركيز على المخاطر الحقيقية، فما هي الصورة الحقيقية؟
– عرفت المنطقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني مرحلتين لمشاريع تطبيعية نوعية وهجومية، كانت الأولى مع اتفاقات كامب ديفيد قبل 45 سنة، وكانت الثانية مع الاتفاقات الإبراهيمية قبل 5 سنوات، فهل نحن أمام الموجة الثالثة، وإلى أيّ من الصنفين تنتمي، كامب ديفيد أم الإبراهيمي، والجواب يستدعي استذكار أن التطبيع بما هو ترجمة لتوجه أميركي إسرائيلي لضمان اندماج إسرائيل في المنطقة وضمان انخراطها بعلاقات طبيعيّة في البيئة البشرية المحيطة بها، هو تعبير عن السعي لإخراج “إسرائيل” من عقدة المأزق الوجودي، الذي يشكل هاجساً دائماً لقادة كيان الاحتلال ورعاته، عبر السؤال هل تخطّت “إسرائيل” مرحلة التساؤل حول قدرتها على البقاء، ويكون الجواب إنها أصبحت عضواً طبيعياً في محيط كان عدائياً تجاهها.
– حرصت أميركا و”إسرائيل” على تضمين اتفاقات كامب ديفيد نصوصاً تفصيلية عن التطبيع والتزام الجانب المصريّ بترويجه وتشريعه قانوناً، ولم يكن الهدف هو تبادل السفراء فقط، بل أن تتدحرج الأمور لنشهد فروعاً للجامعات والشركات ومباريات سنوية للفرق الرياضية ومهرجانات فنية موسمية متبادلة، وعروضاً مسرحية وتبادلاً أكاديمياً وشركات تجارية مختلطة. وبعد 45 سنة يعرف الأميركيون والإسرائيليون أن شيئاً من هذا لم يحدث، بل إن السفارة صارت مكاناً سرياً، ليس لأن الحكومات المصرية قصّرت أو تأخرت عن إنجاز المهمة، خصوصاً في السنوات الأولى بعد كامب ديفيد، بل لأن الشعب المصري شكل سداً منيعاً بوجه التطبيع، ووصل الأمر حد قيام مجلس الشعب المصري بطرد أحد أعضائه توفيق عكاشة لقيامه باستقبال السفير الإسرائيلي في منزله، بينما قام النائب كمال أحد بضرب عكاشة بالحذاء على رأسه. وبعد قرابة نصف قرن من اتفاقات كامب ديفيد لا سياحة ولا ثقافة ولا تجارة ولا شراكة ولا زيارات، بين مصر و”إسرائيل”، وقد حاول الأميركي والإسرائيلي بعد احتلال لبنان تمرير بنود تطبيعية في الاتفاق الذي حمل اسم اتفاق 17 أيار، لكن الاتفاق برمّته سقط بفضل رفض الشعب والمقاومة والقوى السياسية الوطنية في لبنان.
– النموذج الثاني للتطبيع المعروف بالاتفاقات الإبراهيمية، ولد من رحم المبادرة العربية للسلام التي جاءت بصياغة أولى من واشنطن عبر مقال كتبه الصحافي الأميركي توماس فريدمان، والتي تقوم على معادلة الانسحاب الكامل مقابل السلام الكامل، وتضيف إلى السلام ولاحقاً إلى التطبيع الدول العربية البعيدة عن حدود فلسطين وخصوصاً دول الخليج التي لم تكن معنية بالتفاوض ولا بالسلام، وحكماً غير معنية بالتطبيع، باعتبار ذلك تشجيعاً لـ”إسرائيل” للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وكان ردّ أرئيل شارون بعد ساعات على إطلاق المبادرة من بيروت عام 2002 بالقول إنها لا تعادل الحبر الذي كتبت فيه وقيامه باقتحام وتدمير مخيم جنين وارتكاب المجازر بحق سكانه رسالة جوابيّة على المبادرة، بقي التطبيع الخليجي الإسرائيلي الذي وعدت به المبادرة، نواة سياسية قام الأميركيون بتطويرها بمعزل عن قضية السلام والانسحاب، مقدمين خلفية جديدة وصورة جديدة، قوامها، الدعوة لتحالف إسرائيلي خليجي بوجه إيران، وهو جوهر ما نادى به الرئيس الأميركي دونالد ترامب في زيارته للخليج عام 2017، واتبعه باتفاقات السلام الإبراهيمي من جهة والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وإنزال العقوبات القصوى عليها من جهة أخرى.
– اليوم وبعد زيارة ترامب الأخيرة إلى المنطقة، الواضح أن التعاون الخليجي الإيراني حلّ مكان العداء، وبمباركة أميركيّة، وأن التفاوض الأميركي مع إيران حلّ مكان صيحات الحرب، وأن كل فرضيّات التحالف الخليجي الإسرائيلي لمواجهة الخطر الإيراني المشترك، وفقاً لخطاب زيارة ترامب الأولى صار من الماضي، وأن التطبيع الوحيد المطروح في الخليج والذي يمكن أن يمثل نقطة تحوّل هو التطبيع السعودي الإسرائيلي، وهو من جهة السعودية مشروط بإقرار الدولة الفلسطينية، ومن الجهة الأميركية مرفق بعبارة، أنتم من يحدد التوقيت المناسب، وبالمقابل تطبيع نموذج كامب ديفيد المطروح هو التطبيع السوري الإسرائيلي، فهل يجري الحديث عن تطبيع ضمن معاهدة سلام تتضمّن عودة الجولان إلى سورية، كما عادت سيناء إلى مصر، والجولان مشمول بقرار ضمّ إسرائيلي بمباركة أميركية أسوة بالقدس الشرقية، وإذا كنا نتحدث عن تنازل سوري عن الجولان، فهل مَن يستطيع دعوة اللبنانيين للمثل؟ وماذا عن مستقبل اللاجئين الفلسطينيين، فهل يمكن دعوة اللبنانيين لقبول التوطين، وضمان قبولهم، اما اذا كان الكلام عن لحاق لبنان بالسعودية فلبنان ينتظر ليرى متى وكيف وضمن اي شروط يمكن ان يحدث ذلك، إن حدث؟