مشروع الغاز في لبنان: فرصة لإنعاش قطاع الطاقة بين الطموحات والتحدّيات

نوال بو حيدر

يشهد قطاع الطاقة في لبنان مرحلة حسّاسة، مع الحاجة الملحّة لتعزيز القدرة الإنتاجية وتحسين كفاءة التشغيل، في ظل تحدّيات اقتصادية وبيئية كبيرة. وفي هذا السياق، يبرز الغاز الطبيعي كبديل فعّال للفيول أويل، ليس فقط من حيث التكلفة، بل أيضاً لكونه أقل ضررا على البيئة، وأكثر كفاءة في التشغيل.

في وقت سابق، عرض وزير المالية ياسين جابر مع وفد يمثل تحالف «شركة توتال» و«شركة قطر» خطة تزويد معمل دير عمار بالغاز لتوليد الكهرباء عبر مشروع FSRU من قبل التحالف المذكور. يتضمّن المشروع، إلى جانب تأمين الغاز ومحطة للتغويز، إنشاء الوصلات اللازمة لإيصال الغاز إلى المعمل، كما تم عرض مشروع بناء محطة توليد جديدة للكهرباء تعمل على الغاز وتزوّد بالطريقة نفسها. وقد تمّت دراسة المشروع من ناحية خطة التمويل، حيث تلعب وزارة المالية دورا أساسيا في هذا الجانب، إضافة إلى مسؤوليتها عن عملية التدقيق في حسابات كهرباء لبنان.

يسلّط هذا الموضوع الضوء على فرص ومزايا الاعتماد على الغاز، على صعيد الاستفادة من الثروات المحلية وربط المعامل بالبنية التحتية المتوفرة، إضافة إلى دور الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتحديات التي قد تواجه المشروع في ظل المشهد السياسي والاقتصادي اللبناني. من خلال هذا التحليل، يمكن تقييم كيف يمكن لمشروع الغاز أن يسهم في تعزيز الاستدامة التشغيلية، ودعم الاقتصاد الوطني، واستعادة الدور الإقليمي للبنان.

رؤية الوزارة للاستثمار بالغاز

من هذا المنطلق، تقول مصادر وزارة الطاقة لـ«اللواء» إن «وزير الطاقة والمياه جو صدي يرحّب بكل من يستثمر في لبنان وبجميع البلوكات، لأن مثل هكذا مشاريع تكون إيجابية وتقدّم عامل تشجيع لمستثمرين آخرين، ولكن هذا لا يعني أن مثل هذه المشاريع من الممكن أن توصلنا إلى برّ الأمان، فلا يمكن أن نعطي آمالا قبل أن يكون هناك جدّية تامة».

وتؤكّد المصادر نفسها أن «الدورات مفتوحة حاليا لمن يرغب أن يستثمر وهي غير محصورة بشركات معينة، وتشجع البلوكات التي لم يتم العمل بها حتى اللحظة أي غير الملزمة».

أما على الصعيد اللوجستي والعملي، تعتبر المصادر أنه «من الأفضل أن ينطلق العمل من معمل دير عمار لعدة عوامل جغرافية مساعدة، وصولا إلى التوسّع وقلب كل شيء إلى استخدامات الغاز. ولكن تبقى الغاية الأولى أن نلاقي من يستثمر بالمعامل على الغاز، لأنه لا إمكانية لتحسين ساعات التغذية والخدمة للمواطنين وزيادة الإنتاج، وهذه كلها لا تحصل إلّا عبر الغاز لأنه أقل كلفة وأقل تلوث، والوزير يبحث عن مصادر تستطيع أن تستثمر في معامل على الغاز».

الغاز كبديل فعّال للفيول

الخبيرة في قوانين وحوكمة الطاقة المحامية لمى حريز تؤكد عبر «اللواء» أنه «بشكل عام، يعتبر هذا المشروع خطوة إيجابية على صعيد قطاع الطاقة في لبنان، وقد ينعكس بشكل ملموس على الاقتصاد الوطني من خلال زيادة القدرة الإنتاجية وتحسين فعالية التشغيل، لا سيما عند الاعتماد على الغاز كمصدر أساسي للطاقة. ومع الالتزام بالمعايير الدولية في التنفيذ، وبغياب أي محاصصة أو فساد، يمكن أن يسهم المشروع في تعزيز الاستدامة التشغيلية والكفاءة المالية، بالإضافة إلى رفع مستوى ثقة المستثمرين والمواطنين في إدارة مشاريع الطاقة الكبرى».

وتتابع: «يعدّ الغاز خيارا أكثر فاعلية من الفيول أويل، سواء من حيث الكلفة أو الأثر البيئي، إذ إنه أرخص بكثير وضرره البيئي أقل بأضعاف. وعند التعمّق في التفاصيل، يمكن الحديث عن شقّين أساسيين من الفوائد. أولا، بعد أن تبيّن لدينا ثروة غازية وتمكّنا من استخراجها، يصبح من المنطقي والأفضل للاستخدام الداخلي أن تعمل المعامل على الغاز بدلا من الفيول، لما يقدّمه من مردود أوفر وكفاءة أعلى».

وعلى الصعيد الثاني، تشرح أننا «نملك خط الغاز العربي الذي يصل إلى دير عمار، ما يجعل ربط المعامل بالغاز خيارا طبيعيا ومتكاملا ضمن البنية التحتية المتوفّرة. وتتضافر هذه النقاط مع موضوع الـ FSRU الذي يفترض تقنيا أن يكون في دير عمار، مع الإشارة إلى أننا لا نحتاج سوى إلى معمل واحد منه».

الدولة والخاص

وعند سؤالنا عن دور القطاع الخاص في تمويل وتنفيذ المشروع، أي كيفية تحديد مسؤوليات التمويل والتشغيل بين الدولة والشركاء، توضح حريز أنه «سيتم وضع عقد شراكة بين القطاع العام والخاص، وستستند الدولة على هذا القانون لتنفيذ المشروع. كما أن قطر عرضت تمويل وتوسيع معمل دير عمار».

التحدّيات اللبنانية

ولأننا في لبنان قد اعتدنا على المشاريع الكبيرة التي غالبا ما تواجه عراقيل وعوائق سياسية أو تقنية، فمن الطبيعي أن يثار سؤال عن ما إذا كان هناك ما قد يعرقل هذا المشروع. من هنا، ترى حريز أن «كل هذا الأمر مرتبط بالسياسة، ولبنان يحاول قدر المستطاع أن يظهر للعالم أنه على الخريطة التي تتمنّاها الدول. ومسألة ترسيم الحدود مع قبرص مؤشر على أن لبنان يكافح لاستعادة دوره الإقليمي».