اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٦ أيلول ٢٠٢٥
كتب ناصر قنديل في 'البناء'
– بالتأكيد كل العرب والمسلمين متضامنون مع دولة قطر بوجه العدوان الإسرائيلي، لكن بالتأكيد أيضاً فإن كل العرب والمسلمين عندما سمعوا بالدعوة لعقد قمة عربية إسلامية تمنوا أن تكون القمة مناسبة لما يتجاوز تقاليد القمم السابقة التي تكثر فيها كلمات من نوع دعوة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته، وتمنوا أن تكون القمة أكثر من تظاهرة إعلامية تضامنية مع قطر، وأن تلبي بالحد الأدنى مقتضيات التحدي الذي مثله انتقال كيان الاحتلال إلى مرحلة أعلى من الاستهداف رسالتها واضحة، ليس من أحد من العرب بمأمن من ضربات “إسرائيل”، بمن في ذلك من يقيمون علاقات متفاوتة المستوى مع “إسرائيل”، والدول التي تلوذ بالحماية الأميركية والتي تستضيف القواعد الأميركية وتشكل ركائز في النفوذ الأميركي في المنطقة، مثل تركيا وقطر كثنائي مستهدَف بالغارات على الدوحة.
– في متابعة المؤتمر الصحافي الذي تمثلت فيه قطر ومجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، سأل صحافي سعودي من قناة الإخبارية السعودية سؤال الناس، فقال هل من خطوات عملية غير الشجب والإدانة ومطالبة المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته، والتمسك بالمبادرة العربية للسلام، والناس تنتظر سماع شيء عن خطوات عملية يبدأ تطبيقها مع نهاية أعمال القمة، وتناوب المتحدثون الأربعة على الكلام لمحاولة الردّ وفشلوا فشلاً ذريعاً، مرة بالحديث عن الأعمال الجبارة التي تجلت في مؤتمر حل الدولتين، ومرة بالحديث عن مساعي الوساطة لإنهاء حرب غزة، ومرة بالرسالة القوية التي توجهها القمة بمجرد انعقادها، والصحافيون ينتظرون عبثاً أن تخرج كلمة مفيدة من كل هذا الثغاء.
– طبعا لا أحد يتوهّم أن هذا الجمع سوف يتخذ قراراً بالرد العسكريّ على أي ضربة قادمة، ولا أحد يمكن له مجرد الحلم بأن يوجه الجمع إنذاراً عسكرياً لـ”إسرائيل” بوقف الحرب على غزة، لأن سقف المطلب الدفاعي هو أن يجتمع من يملكون جيوشاً حقيقية مثل تركيا ومصر وإيران ومعهم مَن يملك المال مثل السعودية والإمارات والكويت وقطر لبناء نظام إنذار مسبق مشترك للدول العربية والإسلامية، أما تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي فمعلوم أنها بلا مفعول لأن ليس لدى هذه الدول جيوش حقيقية ولأن ما ينفع من سلاحها الأميركي قابل للتعطيل من أميركا عند الحاجة، والحاجة تحضر إذا قرروا تفعيل الاسلحة لصد عدوان إسرائيلي كما تمّ تعطيل رادارات قطر، وتصبح القواعد الأميركية ضمانة لنجاح الضربة الإسرائيلية لا لصدّها.
– المطلوب كان شيئاً آخر غير الهروب إلى الأمام بإطلاق كلام إنشائي عن الجاهزيّة للتحدي، والمطلوب يبدأ من وضع برنامج عقوبات سياسية واقتصادية تفرض على “إسرائيل” من حلف عالمي كبير يستطيع العرب صناعته، وتشترك فيه كل الدول التي وافقت على قرار الأمم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطين، طالما أن لا حاجة للوقت لمعرفة قبول أو رفض “إسرائيل” للدولة الفلسطينية وهي جوهر المبادرة العربية للسلام، لا حاجة للوقت لمعرفة أن لا جدوى من المزيد من القرارات الأممية التي لن تجد طريقاً للتنفيذ، وأن لا وقت لاختبار مدى فاعلية الرهان العربي الإسلامي على صداقة أميركا للضغط على “إسرائيل”، ومهمة القمة هي بالضبط تحديد آليات سياسية اقتصادية تضغط على “إسرائيل”، ولا تحتاج إلى موافقة أميركية، وتشكل نظام عقوبات من خارج الأمم المتحدة وصولاً لإلزام “إسرائيل” بوقف الحرب على غزة، وقبول حل الدولتين.
– الدول العربية والإسلامية المجتمعة تضم دولاً لها علاقات تجارية مع كيان الاحتلال تصل بمجموعها إلى 25 مليار دولار سنوياً، منها تركيا وحدها بـ 7 مليارات دولار وكل من مصر والإمارات بـ 3 مليارات دولار، وتضم الدول التي تعتمد عليها “إسرائيل” في موارد الطاقة خصوصاً أذربيجان وكازاخستان، والمجتمعون يشكلون الإطار الجغرافيّ الذي يضم ممرات جوية وممرات مائية إذا أغلقت بوجه الطائرات والسفن الإسرائيلية والاتية إلى موانئ “إسرائيل” أو الذاهبة منها، يتسببون بنسبة 50% من الشلل السياحي والتجاري وحرية التنقل والمتاجرة، ويكفي انضمام الشريك الأوروبي إلى نظام العقوبات الذي كان يفترض بالقمة إقراره، حتى تدخل “إسرائيل” في شلل شبه تام على كثير من الأصعدة، وفي التاريخ شاهد قريب على فعالية نظام العقوبات والعزل الذي فرض على نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا دون خوض حرب ضده.
– ما فعلته القمة العربية والإسلامية هو فشل جديد مع تنميق كلمات مضخمة لغوياً بلا معنى حقيقي، وبينما تهرب “إسرائيل” من مأزقها بالفشل العسكري أمام صمود قوى المقاومة، رغم حجم التضحيات التي تتكبّدها المقاومة والشعوب المساندة لها، نحو توسيع مدى الاستهداف، يهرب العرب من الفشل الكلامي إلى محاولة النجاح الكلامي، وعندما يكون السؤال عن الردع فإن له ساحات لا تكلف المجتمعين حروباً، حيث غزة ولبنان وسورية ساحات مواجهة تحتاج مصالحات عربية وإسلامية وصياغة مواقف تمكن شعوب وحكومات لبنان وسورية وفلسطين أن تشكل جبهة موحدة مدعومة عربياً وإسلامياً لتعمّق مأزق إسرائيل بدلاً من الدور العربي والإسلامي بتسهيل مهمة “إسرائيل” في هذه الساحات الثلاث، واللبيب من الإشارة يفهم.