اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ١٣ نيسان ٢٠٢٥
في ذكرى 13 نيسان: كي لا نكرر ما حدث
في 13 نيسان، نقف مجددًا أمام الجرح الذي لم يندمل بالكامل: ذكرى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية منذ خمسين عاماً. طوال نصف قرن، تناوبت الطوائف على الهيمنة والخيبة. وكلما سقطت طائفة تحت ضربات الآخرين، سقط معها جزءا من الوطن. حربٌ كانت نتيجتها واحدة رغم تنوّع ساحاتها وتبدّل محاورها: كل طائفة، حين ظنت أنها انتصرت، كانت توهم نفسها، لتكتشف بعد سنوات أن انتصارها العسكري كان بداية لانهيارها الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي. ويبدو أن اللبنانيين أدركوا اليوم، أن عزل الطوائف لا يبني دولة، بل يعمّق الجروح ويمهّد لانفجارات جديدة.
فلقد جربوا كل المعادلات: السيطرة بالقوة، العزل، الاستقواء بالخارج، الاتهام بالعمالة، التخوين المتبادل… ولم تنجح أيٌّ منها في بناء وطن. بالعكس، ما زادتنا إلا ضعفًا، وتشرذماً وتبعية.
حين هُزم المسيحيون، لم يُحضَنوا. وعاشوا عزلة دامت سنوات. وحين تقهقرت قوى سنّية، لم تُقدَّم لها شراكة حقيقية. واليوم، إذ يعيش أبناء الطائفة الشيعية تحديات كبيرة، نتيجة حروب أنهكتهم وانهكت لبنان، يبدو أن معظم اللبنانيين، ومن مختلف الطوائف، باتوا يدركون أن الهزيمة العسكرية لأي طرف لا يجب أن تُحوَّل إلى هزيمة سياسية أو وجودية للطائفة بأكملها.
هذه لحظة تأمل… لحظة نتمنى ان نكون فيها جميعًا تعلّمنا أن لبنان لا يُبنى بانكسار فريق، بل بتجاوز الخصومات والضغائن والشماتة. ونأمل ان يعي حزب الله نفسه ما ورّط به لبنان والشيعة، ويستدرك في العودة الى حضن الوطن طوعاً، دون أوهام الاستقواء بدولة اجنبية لا تبحث سوى عن مصالحها.
يدفع اللبنانيون اليوم، وخصوصًا في الجنوب، كلفة باهظة، من أرواحهم وأرزاقهم وصحتهم النفسية والجسدية ومستقبل اولادهم. وقد آن الأوان للقول: لا يجب أن يُترك هؤلاء لمصيرهم، ولا يجب أن يُختزلوا بقرارات تؤخذ عنهم، ولا تعبّر عن كل طموحاتهم. الجنوب ليس جبهة فقط، بل هو أيضًا بشر يعيشون على أرضهم ولديهم حياة ومشاعر وذكريات، وأمل بمستقبل أفضل في كنف الدولة.
المطلوب في ذكرى 13 نيسان:
مصالحة حقيقية بين اللبنانيين، تبدأ من الاعتراف المتبادل بالمآسي وبجميع من سقطوا شهداء من جميع الطوائف، لا بتبادل الاتهامات.
تحييد أي طائفة عن دفع ثمن مشروع سياسي أو عقائدي يتجاوز لبنان، أذعنت له لأسباب مختلفة.
بناء دولة تستعيد دورها بقوة جيشها وحقها باحتكار العنف، لكن من دون استقواء، بل بإعادة العقل إلى السياسة.
دعم أهل الجنوب، وكل المناطق المنكوبة، اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً، من الدولة والمجتمع معاً.
13 نيسان ليس ذكرى بداية حرب… بل يمكن أن يكون أيضًا بداية وعي جديد. فلنجعل من الذاكرة جسرًا إلى مستقبل أفضل، لا حفرة نعود لنسقط فيها.
في مثل هذا اليوم من كل عام، نتذكر بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، لا لنفتح الجراح، بل لنذكّر أنفسنا بما يمكن أن يحدث حين يُختزل الوطن في الطائفة، ويُختطف القرار الوطني لصالح مشاريع خارجية أو حسابات داخلية ضيقة.
إن التهديدات ليست وهماً. فالعالم يضع لبنان أمام امتحان صارم: أمن الحدود، السلاح غير الشرعي، وضبط المعابر، والسيادة الاقتصادية والإصلاح السياسي والاقتصادي والادراي. وما لم نأخذ هذه التحذيرات بجدّية، فسنجد أنفسنا، من جديد، وقودًا لحروب الآخرين.
علينا فعل كل ما يجب لمنع الشباب من الهجرة، ولا يزال لدينا ملء الأمل بهم، فهم رغم كل ما تعرّضوا له من تهميش وتضليل، لا يزالون يملكون في داخلهم بذور التغيير. بين الشيعة من خرج على القوالب المعلبة، وبين سائر الطوائف من سئم الاصطفاف والتعصب. ورغم تشتت النخب، فهي مدعوة اليوم إلى أداء مسؤوليتها التاريخية: كسر الصمت، ومواجهة الانهيار الأخلاقي قبل السياسي.
في 13 نيسان، لا نطلب من أحد أن ينتصر على أحد، بل أن ننتصر جميعًا على خوفنا، على طائفيتنا وعصبياتنا، وعلى عقلية 'الغالب والمغلوب'. لأن الغالب اليوم قد يكون المغلوب غداً… والخاسر في كل الأحوال هو لبنان.