اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ٦ حزيران ٢٠٢٥
كتبت نورما أبو زيد في 'نداء الوطن':
في السنوات الأخيرة من عهد الرئيس ميشال عون، جرفت العواصف موارنة الصفّ الأوّل، كما تجرف السيول الحجارة من أعلى جبل إلى قعرِ وادٍ. اندفع الجرف كسيلٍ مُنفلت من ضوابطه، لا يرحم، ولا يلتفت خلفه، حتى آخر ماروني. اثنان فقط سُجّلا في خانة الناجين: قائد الجيش في حينها، الرئيس جوزاف عون، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي سهيل عبود.
عبّود الذي عبر الإعصار واقفاً، لا لأنّ العاصفة لم تمرّ بهِ، بلّ لأنّه لم ينحنِ، تذكّره ميشال عون مرّتين: في الأولى، حين قرّر أن يملأ المنصب لا المقعد، فاختاره رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، لعلّه ينظّف المشهد القضائي غير النقي. وتذكّره عون مرّة ثانية، وهو يغادر قصر بعبدا. لم يكن في المشهد ثناء، بل حجرة خرجت من الحنجرة، علقت عندما رفض الرئيس الأوّل هندسة التشكيلات القضائية سياسياً.
أراد عبّود في حينها أن يستهلّ عهده بـ 'Dose' إصلاحي مكثّف. انكبّ على التشكيلات القضائية مستنداً إلى معايير صارمة. أزاح قضاة تدور حولهم شبهات، واختار من بين الجسم القضائي الأنظف. ولكن في القصر، وضع الرئيس 'فيتو' مُعْلَناً، مدعوماً بموقفٍ مساندٍ من وزيرة العدل ماري كلود نجم. عندها، بدأت معركة طويلة لكسر القاضي الذي لم يتغيّر حين تغيّر كلّ شيء من حوله.
رسب العهد في الامتحان الأوّل، علماً أنّ الامتحان كان للرئيس الأوّل وليس لرئيس الجمهورية. ما جرى كان سابقة في تاريخ القضاء اللبناني، وأشبه بكباش غير متكافئ بين سواعد السلطة وساعد العدالة. رئيس الجمهورية ووزراء عدله المتعاقبون من جهة، ورئيس مجلس القضاء الأعلى من جهة ثانية. ورغم 'المحاولات التكتيفية' التي مورست على عبّود منذ 'التحنيط المؤسسي' لتشكيلاته، استطاع أن يُحدث فرقاً ملموساً في بنية القضاء، عبر اتّخاذ قرارات تأديبية بحقّ 14 قاضياً، تمّ وضعهم خارج الخدمة لأسباب مسلكية، بالإضافة إلى سجن قاضٍ من ضمن دائرة الـ 14، في خطوة تشكّل سابقة في سجل القضاء اللبناني – ولكن إيجابية -، وبارقة أمل في مسيرة إصلاحية، يُفترض أن تكون التشكيلات القضائية المرتقبة محطّتها الراسخة. ولعلّ أبلغ تعبير عن ارتباط الانتظام العام للدولة بانتظام العمل القضائي، ما عبّر عنه رئيس الجمهورية قبل ثلاثة أيام، حين 'نيْشَنَ' على ركيزتي الحكومة الإلكترونية والتشكيلات القضائية لمكافحة الفساد، إذ تؤمّن الأولى الشفافية في إدارة الشأن العام، وتكسر حلقات الزبائنية التي تراكمت عبر سنوات، فيما تفتح الثانية الباب أمام محاسبة حقيقية.
أوّل تشكيلة قضائية تقدّم بها رئيس مجلس القضاء الأعلى لفّها الغبار بعدما أودِعت الأدراج الرئاسية من دون توقيع، علماً أنّ آخر تشكيلات قضائية كانت قد جرت عام 2017، والنتيجة: شغورٌ فادحٌ في قصور العدل، وتحوّل عدد كبير من القضاة إلى منتدبين أو مكلّفين بتسيير أكثر من محكمة في آنٍ، إلى حدّ أصبحت فيه بعض الهيئات القضائية مؤلّفة بالكامل من قضاة بالتكليف.
اليوم، الصورة تبدّلت. الكلّ شركاء في المسار، ويشدّون الحبل في الاتّجاه نفسه، ومجلس القضاء الأعلى برئاسة الرئيس الأول سهيل عبّود، يسابق الوقت بحسب مصدر مواكب، لإنجاز التشكيلات العامة قبل آخر تموز، بهدف منح القضاة المشكّلين فرصة لإنهاء ملفاتهم القديمة وتسلّم مواقعهم الجديدة خلال العطلة القضائية التي تبدأ في 15 تموز، وتنتهي في 15 أيلول.
هذا، وتتقاطع المعطيات عند التأكيد بأنّ التشكيلات القديمة ستكون منطلقاً للتشكيلات الجديدة، مع الأخذ بالاعتبار أنّ قضاةً تقاعدوا، وآخرين غادروا مناصبهم إلى وظائف خارج لبنان، يُضاف إليهم الذين أُقيلوا، وهؤلاء جميعاً يبلغ عددهم حوالى 50. ويعلّل المصدر العودة إلى 'الكتاب' بالقول إنّ التشكيلات السابقة كانت وفق معايير واضحة، وهي الاستقلالية والمناقبية والكفاءة والإنتاجية والأقدمية في ما لو تساوت الدرجات. أمّا الكلام عن تأجيل التعيينات في انتظار صدور قانون استقلالية القضاء، فلا مكان له من الإعراب في قاموس المجلس، خاصةً وأنّه مكتمل، ويضمّ قضاة مميزين، يعملون بطريقة متجانسة.