اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ٢٦ أذار ٢٠٢٥
قرأت عشرات المرّات عمّا قيل عن موريس الجميّل وعبقريَّته ومشاريعه ونظرته البعيدة للمستقبل، وعن مشاريع تصدير المياه اللبنانيّة المُخزّنة في السدود إلى الدول العربيّة، وسمعت عشرات المرّات عن أنّ هذا المشروع هو أهم من البترول نظراً لحاجة الدول العربية إلى المياه، وبأنّه قال نستعمل إلى جانب أنابيب البترول التي تأتي إلى لبنان من المملكة العربية السعودية ومن العراق، أنابيب لضخّ المياه.
وقرأت أيضاً في كتاب المهندس زياد الحجّار 'المياه اللبنانية والسلام في الشرق الأوسط' في الصفحة 181 'من الضروري برمجة استعمال المياه الجوفيّة البالغة كميّاتها 800 مليون متر مكعب، وإقامة سدود وبحيرات جبلية لتخزين 500 مليون متر مكعب إضافية على الأقلّ، لِمحاولة إيجاد التوازن بين الموارد والحاجات'.
ولفتني ما كتبت 'جويس ستار' رئيسة منظّمة Global water summit initiative والاختصاصيّة في مياه الشرق الأوسط وذلك في الصفحة 183 من المرجع ذاته تحت عنوان حروب المياه Water wars: 'بالنسبة إلى لبنان فإنّ لديه كميّات فائضة من المياه ينبغي تقاسمها' مياهه فائضة ولكن يجب أن يُحسَن استعمالها وتخزينها حتّى لا تذهب هدراً إلى البحر، وينبغي تقاسمها: هذا ما يجب أن يتنبّه إليه لبنان، حتّى لا يأكل القوي غذاء الضعيف أو لا يشرب ماءه.
- توقّفت عند ميشال شيحا المفكِّر الكبير الذي قال عن مياه لبنان: 'ثلاثة أرباع مياه لبنان على الأقلّ تذهب هدراً إلى البحر، لا يُمكن تصوُّر تبذير أكثر جنوناً من هذا. نحن بحاجة إلى كلِّ نقطة ماء، ونترك أنهارنا وينابيعنا تذهب إلى البحر. عندنا المياه في حين تموت أراضينا الزراعيَّة عطشاً'.
- اطّلعت على قسم من أعمال ومشاريع المهندس ابراهيم عبد العال واضع تصاميم سدّ القرعون وما يتبعه من مشاريع وبحيرات وأنفاق ومحطّات لتوليد الطاقة الكهربائيَّة، ودراسات مفصَّلة لمشاريع أخرى على عدد من الأنهار اللبنانيّة...
هذا يوم كان في لبنان موريس الجميّل وابراهيم عبد العال وميشال شيحا وأناس يعقلون، أمّا اليوم فكلّما أقدمت الدولة، بمساعدات خارجيّة وبأموال داخلية، على القيام بمشروع سدّ لتخزين المياه تقوم الدنيا ولا تقعد، وتبدأ الأصوات تتعالى وتُنبِئ بأنّ هذا المشروع لا ينجح، وبأنّ بسببه سنضطرّ إلى قطع بعض الأشجار التي ليست بتلك الأهميّة وبأنّنا سنقترب من مركز للآثار، فتقوم القيامة لا سيّما من البيئيّين أو من الذين يدّعون بأنّهم عباقرة المنفعة العامّة والمصلحة العامّة والشأن العام، نذكر على سبيل المثال:
أوّلاً: سدّ بريصا
حيث لا ينفكّون يتكلّمون على أنّه مشروع فاشل، 'وقد ذهبت نفقاته هدرًا'، ولكن بالواقع إنّ سكان قرى الضنيّة حيث يوجد المشروع يستفيدون كثيراً من مياهه التي تخرج منه من مخرَجين غزيرين جدّاً بمعدل 10 إنش ويستمرّ تدفّق المياه ليل نهار في معظم موسم الريّ، طبعاً لا أقول إنّ المشروع ناجح مئة في المئة ولكن ما يستفيد منه الناس اليوم يُعوّض عن الأموال التي دُفعت لإنشائه، كما وأنّه بالإمكان العمل عليه حتّى يزيد منسوب مياهه.
ثانياً: سدّ شبروح
لمجرّد عمليّة صغيرة لتنظيفه أو لإصلاح عطل صغير فيه قامت القيامة مجدّداً علماً أنّ القيامة الموعود بها ستقوم مرّة واحدة ولم يهدأ بال التلفزيونات والصحف والمجلّات والرأي العام إلّا عندما أحسّوا بأنّ لا حياة لِكسروان بدون سدّ شبروح.
ثالثاً: سدّ المسيلحة
المسؤولون عن تنفيذ الأعمال في سدّ المسيلحة يحملون أكثر من تقرير وأكثر من تنويه عن الأعمال في السدّ التي تبلغ درجة الكمال، وبما أنّ لمشاريع السدود، بعد إنهاء الأعمال، مدّة تجريبيّة وهذا عرف عالمي، لمعرفة ما إذا كانت الأعمال ناجحة، وبما أنّ الأعمال انتهت وقد جُرّب المشروع وجاءت النتائج بأنّ هناك بعض الأمكنة الصغيرة التي يمكن أن تُهرِّب المياه وتُستكمل الأعمال في السدّ بطريقة هندسية بسيطة كما يحصل في سدود العالم، علماً أنّه ليس سهلًا على أيّ كان، معرفة طبيعة الأرض، شبراً شبراً، قبل البدء بالتنفيذ، لذلك أُعطيت المهلة التجريبيّة، فمن يُسكت الشعب المغفّل، ولو حصل تصدّع في منطقة بعيدة عنه فيأتي القول: هذا سبّبته أعمال سدّ المسيلحة، فيا أيّها اللبنانيّ، إتّقِ ربّك، واعلم أنّ الجدوى من سدّ المسيلحة لا تُقدّر بمال، نظراً لمنفعته المزدوجة:
أوّلاً: سيكون السدّ أجمل مركز سياحي في لبنان نظراً لموقعه الرائع، وتأكيداً على ذلك نرى الناس اليوم، يتواجدون وليلاً نهاراً للاستمتاع بتلك المناظر الخلّابة وبذلك المناخ النظيف وبالهدوء الذي تُحِسُّ به وأنت تتمشى على القناة للجهة الجنوبية منه، تلك القناة التي أنشأها الفرنسيّون في العام 1940.
ثانياً: تُستخدم مياهه، بعد عمليات التكرير والتصفية والتنقية للشفة حيث الحاجة إليها حتميّة، في المناطق الساحليّة لقضاء البترون ولريّ ساحل البترونَ.
ثالثاً- إن موقع السد القريب على بعد أقل من ثلاثة كيلومترات عن مصبّه في البحر حيث المياه تذهب هدراً يبقي مجراه من أعالي الجبال حتى بلوغ موقع السد طبيعياً. مع العلم أنه في فصل الجفاف تختفي المياه من المجرى من موقع السد إلى البحر حيث تحول المياه قبل موقع البحيرة إلى قناة ري البترون وهذا الواقع موجود قبل بناء السد وإذا أراد الغيارى على البيئة بالإمكان تحويل قسم قليل من مياه السد بعد إنجازه إلى المجرى الجاف أصلاً تحت مستوى السد لإبقاء المياه جارية في كامل المجرى.
فليس من المسموح إطلاقاً أن يشتريَ اللبناني المياه كسعر البنزين في بلد' السكورة والنهورة'.
ونسأل سؤالاً بسيطاً جدّاً: هل اطّلع المنتقدون والثرثارون والبيئيّون على أعمال هذا السدّ؟
رابعاً: سدّ بلعة
ويقولون فوراً: 'اسمه على كسمه' يعني أنّ هنالك بواليع ستؤدّي إلى عدم إنجاح المشروع، وكأنّه أقيم بدون دراسات معمّقة من خبراء لبنانيّين وأجانب ومن دون دراسات الموقع والتربة وكلّ ما يلزم في عمليّة إنشاء السدود والنتائج كلّها إيجابيّة.
وكأنّ المنفّذين والمشرفين قد بدأوا العمل فيه عشوائيّاً واعتباطيّاً.
إن كنت بطلاً كعنترة، وفيلسوفاً كسقراط، ونبيّاً كالنبي محمّد(صلعم)، أوقِف اللبنانيّين عن الهجوم وأسكِتهم عن الانتقادات السلبيّة، والحطّ من العزائم والنيل من كرامة المتعهّدين والمنفّذين والمشرفين.
خامساً: سدّ جنّة
جنّة وادٍ عميق بين قرطبا ولاسا، فيها بعض المزروعات لأبناء قرطبا، وفيها أشجار صفصاف ودلب وعربيط...وهي منطقة صالحة لتخزين المياه بكميّات هائلة، تكفي مناطق كثيرة من لبنان للشفة ولري الأراضي، كما تؤمّن طاقة كهربائية لأكثر من لبنان، فما إن شعر إخوان البيئة بأنّ هنالك دراسات لهذا المشروع، قامت قيامتهم، واعتبروا أنّ المشروع يُهدِّد الكيان زراعياً وحرجياً وسياحياً وبيئياً...
سادساً: سدّ مرج بسري
وهذا خاتمة الأحزان، وهنا كان لبنان سيزول عن خريطة العالم لو نُفِّذَ المشروع!
أصبح بنظر المعترضين والمهووسين، كأنّ عجائب الدنيا السبع موجودة في المرج، وأصبحت غابات الأمازون وسيبيريا هنالك، وستُتْلف عن بكرة أبيها، وأصبحت التربة في ذلك الوادي مساوية لتربة دلتا النيل بخصبها ومواسمها الدفّاقة، أو حلّت المنطقة محلَّ سهل البقاع الذي كان يُسمّى الأهراءات الرومانيّة.
مردّ ذلك محنة العقل لا بل عقول متحجّرة، ولقد استطاعت هذه العقول أو ذلك الجهل المطبق، إلغاءَ المشروع ممّا حرم لبنان من تأمين أكبر مورد للمياه قُدِّر بـ 140 مليون متر مكعب، تلك المياه التي كانت ستروي مناطق شاسعة، والتي كانت ستؤمّن مياه الشفة ومياه الري وقطاعات الاستهلاك لمناطق عديدة بين الجنوب وبيروت .
لو كان العقل يتكلّم، ولو كان للمنطق دور في هذه البلاد، ولو كنّا نُدرك الحدّ الأدنى من منافع المياه التي لا تُحصى، ومن حاجتنا الماسّة لها لكُنّا نخجل من أنفسنا ونأكل أصابعنا ندماً لأنّنا فَشَّلنا هذا المشروع الحيويّ ولكن لا حيلة لنا، فالجهل هو سيّد الموقف والهوس هو المنتصر الأخير في دولة ضعيفة مفكّكة كالدولة اللبنانية.
وأخيرًا نقول: ليتنا نُرزق اليوم مئة موريس الجميّل، ومئة ميشال شيحا، ومئة ابراهيم عبد العال واضع تصاميم سدّ القرعون وما يتبعه من مشاريع وبحيرات ومحطّات لتوليد الطاقة الكهربائيّة، والذي تميّز بوضع دراسات مفصَّلة لمشاريع على عدد من الأنهار اللبنانيّة.
لعلّهم يُقنعون ويُفهمون اللبنانيّين كيف تكون المشاريع، وكيف يعمّر لبنان، وكيف أنّ البترول الأبيض (الثلج) هو أهمّ من البترول الأسود.
مَن مِن العقلاء لا يعرف أنَّ المياه هي أهمّ وأخطر موضوع في مستقبل الإنسان الذي تزيد حاجته إليها نظراً لتزايد عدد سكّان الكرة الأرضيّة.
وأنّ العلماء والمهندسين والخبراء ودول العالم المتقدّم ينكبّون بكلّ ما أوتوا من قوّة وعلم ومعرفة وقدرات ماليّة لإيجاد السُبل التي تؤمّن ماء الحياة، أكان ذلك في إنشاء السدود والبحيرات الترابيّة، أو تحلية مياه البحر، أو الآبار الأرتوازيَّة، أو أيِّ عملٍ آخر يوفِّر الضرورة الأولى من ضرورات الحياة.
المهم أن تواكب هذه المشاريع تزايد عدد السكّان في العالم وتزايد الحاجة إلى المياه، لا سيّما في زمن يكثر فيه الحديث عن التصحّر، الحاجة إلى مياه الشرب والمياه المنزليّة والصناعيّة، وإنتاج الطاقة الكهربائيّة، وتأمين الصناعات الغذائيّة وري الأراضي...
الجدوى من إقامة المشاريع المائيّة حياتيّة، لا بل هي كالأوكسجين الذي نتنشقه.
وعليه نناشد اللبنانيّين جميعاً وبخاصة البيئيّين ووسائل الإعلام أن ينكفئوا عن الدعايات والثرثرة لأنّنا بحاجة إلى عشرات المشاريع المائيّة، فلا حياة للوطن بدون خطّة مائيَّة تضمن للمواطنين عنصراً من عناصر الطبيعة الأربعة: الهواء والأرض والنور والمياه.
أمِّن المياه في أيّة بقعةٍ من لبنان وخُذ المزيد من مواسم الخير والبركة، فالمياه كفيلة بمحو الفقر من قاموسنا الوطني...