رسمياً تدمير آخر أسلحة كيماوية مُعلنة في العالم

في مرحلة معينة، كانت الولايات المتحدة تستطيع أن تدّعي أنها تملك 30 ألف طن من أدوات الموت والتشويه والتعذيب الجاهزة داخل عبوات معدنية متفجرة ومُخزّنة في منشآت متنوعة حول العالم.

لكن لم يعد ذلك الرقم موجوداً اليوم. في 7 تموز 2023، ثُقِب آخر صاروخ مليء بغاز السارين العصبي من طراز «إم-55» وجرى تفريغه وحرقه، فانتهى بذلك أي شكل من استعمال الأسلحة الكيماوية وسط البشر رسمياً.

ذكر وكيل وزارة الدفاع للاستحواذ والاستدامة، ويليام أ. لابلانت، في بيان صحافي: «إنها المرة الأولى التي تتحقق فيها هيئة دولية من تدمير فئة كاملة من أسلحة الدمار الشامل المعلنة، ما يعزز التزام الولايات المتحدة بإنشاء عالم يخلو من الأسلحة الكيماوية».

مرّت أكثر من ثلاثين سنة منذ أن وافق الرئيس الأميركي جورج بوش ونظيره السوفياتي ميخائيل غورباتشوف على وقف إنتاج جميع الأسلحة الكيماوية وتدمير مخزون البلدَين.

لكن مرّ قرن من الزمن تقريباً منذ إقرار بروتوكول جنيف الذي يمنع استعمال الأسلحة الكيماوية والبيولوجية خلال الصراعات. كشفت أهوال الحرب العالمية الأولى الجوانب غير الإنسانية لاستعمال العناصر التي تعطي الأولوية لزيادة معاناة الأعداء.

كان غاز الكلور من أوائل العناصر التي استُعملت على نطاق واسع، وهو يهيّج عيون وحلق كل من يجد نفسه بلا حماية وسط ذلك الضباب الأخضر الباهت. وكان غاز الخردل يُسبب التقرحات على الجلد المكشوف، بينما يقضي الفوسجين بهدوء على الرئتين، ما يؤدي إلى وفاة مؤلمة بعد أيام.

ترددت الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى في استعمال تلك العناصر، لكنها تابعت تطوير وإنتاج أسلحة سامة بدرجة إضافية.

شهدت فترة الخمسينات إنتاج غازات أعصاب مثل السارين وفي إكس، وسرعان ما أضيفت إلى أنظمة تشتيت المتفجرات. كانت أصغر كميات من تلك العناصر قاتلة كونها تعيق المسارات العصبية الأساسية، ما يُسبب شللاً عضلياً يقود إلى الاختناق.

لم تزعم الولايات المتحدة يوماً أنها استعملت العناصر التي تغطيها اتفاقية الأسلحة الكيماوية بهدف إيذاء البشر عمداً، لكن بقي هذا الخيار وارداً على مر العقود، في حال تعرّض البلد للاستهداف.

عملياً، يبقى تفكيك مخزون الأسلحة الكيماوية القديمة معقداً بقدر سياسات التفاوض على الاتفاقيات الدولية. تهدف تلك الأسلحة إلى تفجير أنسجتنا وزعزعتها، لذا لم يفكر الكثيرون بوضعها على متن القوارب وإرسالها في البحر، ثم إحداث ثقوب فيها لإغراقها.

رغم انتهاء مرحلة تدمير تلك الأسلحة، ستستمر عمليات تنظيف المنشآت لسنوات. يقول مايكل أباي، المسؤول التنفيذي في برنامج بدائل الأسلحة الكيماوية المُجمّعة في وزارة الدفاع الأميركية: «تشمل تلك العمليات التخلص من المخلفات الثانوية، وإزالة التلوث، ووقف تشغيل المنشآت والمعدات، وهدم بعض المواقع، وإنهاء العقود والتراخيص البيئية. في مرحلة الإغلاق، ستبقى سلامة العاملين وعامة الناس والبيئة على رأس أولويات البرنامج».

بعد تشغيل منشآت المعالجة، أصبحت الولايات المتحدة أخيراً متساوية مع بقية دول العالم، فهي تستعمل الروبوتات للقيام بمهام يُفترض ألا يقوم بها البشر، والجراثيم لتفكيك ما يعجز عنه علم الكيمياء، والأفران لتقليص المعادن الملوّثة وتذويبها في أسرع وقت.

أعلنت المملكة المتحدة من جهتها عن تدمير آخر مخزون مُعلن في العام 2007. أما الهند، فقد أقدمت على هذه الخطوة في العام 2009. كذلك، دمّرت روسيا رسمياً آخر مخزون من أصل 40 ألف طن في العام 2017. لكن لا يمكن التأكد طبعاً من صحة التقارير الرسمية.

من الواضح أن طبيعة الحروب بدأت تتغير ويُضعِف هذا التغيير فاعلية الأسلحة الكيماوية، إذا افترضنا أنها كانت فاعلة يوماً.

لأسباب أخلاقية أو استراتيجية، تتراجع اليوم أعداد الأسلحة المُكلّفة بقتل الناس بعد تعذيبهم. إنها لحظة تستحق الاحتفال.