اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ١٢ تموز ٢٠٢٥
إن متَّ قبل أن تموت، فلن تموت عندما تموت، عبارة محفورة على جدار أحد الأديرة الأرثوذكسية في اليونان، تختصر كلّ لاهوت الموت المسيحي. من يمُت عن الخطيئة والشهوات وهو بعد في الجسد، ينال عربون الحياة الأبدية، حين يعبر باب الموت الزمني.
القدّيسون لم ينظروا إلى الموت كعدوّ، بل كعبور، كفصحٍ شخصيّ، كمدخل إلى ملء الحياة.أما بولس الرسول فكتب لأبناء قيامته: لا أريد أن تجهلوا، أيها الإخوة، عن الذين رقدوا، لئلّا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم (١ تسالونيكي ٤: ١٣).
هو لا يوبّخ الحزانى، بل يعزّيهم، ويذكّرهم أن موت الأحبّاء هو رقاد، لا نهاية، وأن الحزن، وإن كان إنسانيًّا وطبيعيًّا، لا يجب أن يتحوّل إلى يأس، بل إلى اشتياق ملؤه الرجاء.نعبّر عن الحزن كي نُفرغ النفس من وجعها، فنفسح للقيامة أن تسكن القلب.
لكننا لا ننكر أن الموت يبقى سرًّا يُرعبنا... هو الحوت الذي لا يشبع، يبتلع الأحبّة بلا شفقة، أطفالًا، شبابًا، شيوخًا...نقف أمامه في حيرة، ممزقين بين ضعفنا البشريّ ونداءات الإيمان، بين الدموع والإنجيل.
قال القدّيس يوحنا الذهبي الفم: لا يخاف الموت إلا من يسلك في رخاوة السيرة. فإن كانت حياتك في المسيح، لا تخف الموت، بل خف الخطيئة.
الطبيعة البشريّة، إذ تَسقُط في الزمن، تنوء تحت ثقل الموت، خصوصًا حين يخطف الموتُ شابًّا، أو طفلاً، أو أبًا تُركت عائلته في العراء...نتساءل: أين حكمة الله؟ أهذه أعماله العظيمة؟ أن يُسلخ طفل عن صدر أمّه؟ أن تترمّل زوجة، ويُيتم ولد؟ أن ينكسر قلب أمّ على نعش ابنها؟
سؤالنا صادق، بل مشروع. وقد سأله أيضًا القدّيس أنطونيوس الكبير: يا رب، لماذا يموت البعض صغارًا، ويعمر آخرون؟ لماذا يُثرى الأشرار ويُفتقر الأبرار؟فأجابه صوت من السماء: يا أنطونيوس، اهتمّ بخلاص نفسك، فإنّ هذه أحكام الله، ولا يليق بك إدراكها.
أحكام الله لا تُفهم بالعقل المجرّد، بل بنور القيامة. فالمسيح، بقيامته، انتزع شوكة الموت، وحوّل القبر من نهاية إلى بداية.لقد صرخ بولس بفرح المنتصر: لقد ابتُلِعَ الموت إلى غلبة! (١ كورنثوس ١٥: ٥٤).منذ دفن المسيح في القبر، صار كل قبر موضع حياة. نحن لا ندفن أحبابنا، بل نضعهم في رجاء القيامة. فكما أقام يسوع لعازر، وابنة يايرُس، وابن أرملة نائين، هكذا سيقيم كل من رقدوا على صوته، لأنّه قال: أنا هو القيامة والحياة (يوحنا ١١: ٢٥).أراد الرب أن يعطينا تذوّقًا مبكّرًا لبهاء القيامة، فصنع معجزات الإقامة من الموت،ليؤكّد لنا أنه سيعيد الخليقة بأسرها إلى الحياة، يوم يسمع الموتى صوت ابن الله.
القدّيس غريغوريوس النيصصي يهمس في قلب كل مؤمنٍ قائلاً:افرحوا بالرحيل من هذا العالم، لأن ما بعد الموت هو حياة لا يُفسدها الشر، ولا تخدعها الشهوات، بل فرح وسلام لا يُنتزع.
الموت، إذًا، لم يعُد نهاية. هو عبور. هو الولادة الحقيقيّة. هو القيامة التي تبدأ هنا، حين نحيا في المسيح، ونموت عن الخطيئة.
فليكن سعيُنا لا نحو التمسّك بهذا العالم، بل نحو التشبّه بالمصلوب القائم، إذ كتب بولس: إن كنتم قد قُمتم مع المسيح، فاطلبوا ما فوق، حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتمّوا بما فوق، لا بما على الأرض (كولوسي ٣).
لقد انتصر المسيح على الموت، لأنّه انتصر على الخطيئة. فكلّ من ينتصر على خطيئته، حتمًا يغلب الموت. والذي يسلك طريق الصليب، يجد نفسه على باب الحياة الأبديّة.