اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
كتب ناصر قنديل في 'البناء'
– رغم الطابع الهوليودي للاحتفال الذي شهدته شرم الشيخ والذي أداره المسرحي المحترف دونالد ترامب، تكشف يوميات ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار، عن وجود فجوة بين المرحلة الأولى وسائر مراحل ما سُمّي بخطة ترامب، بما يطرح أسئلة كبرى حول وجود خطة مكتملة التفاصيل أصلاً، باستثناء ما يتصل بالمرحلة الأولى، التي تمّت بموجب مفاوضات انخرط فيها كل من كيان الاحتلال والمقاومة عبر الوسطاء، مع تسليم الاحتلال بفشل مشروع تهجير الفلسطينيين، واستعدادهم لوقف حرب الإبادة المقرّرة لتحقيق هذا المشروع، بعدما ارتفعت كلفة هذه الحرب في الغرب وإصابة العرين السياسي والحزبي لـ”إسرائيل” والرئيس ترامب في أميركا الذي يمثله ثنائي الحزب الجمهوري والكنيسة الإنجيلية، وأخذت تداعياتها في أوروبا تتحوّل إلى حملات مقاطعة متصاعدة ضد “إسرائيل”، تهدّد مصادر تسليح حيوية مثل محرّكات دبابات الميركافا ذات المنشأ الألماني، وتهدّد بخسارة الشريك التجاري الأول الذي تمثله أوروبا لـ”إسرائيل”.
– خلال أيام ظهر الحديث المبتكر عن مرحلة انتقالية تتولاها حماس في إدارة وأمن غزة، كما قال ترامب لعدم الاعتراف بأن الخطة ليست خطة، والإيحاء بأن كل شيء تحت السيطرة، كما ظهر أن هناك قواعد اشتباك تسمح بخرق وقف إطلاق النار، تجعل الاتفاق شبيهاً باتفاق مماثل في لبنان، وبرز تعثر تشكيل القوة الدولية التي يفترض أن تشرف على وقف النار وتتحقق لاحقاً من نزع سلاح المقاومة، حيث تضع “إسرائيل” فيتو على دول تعتقد واشنطن أن وجودها محوري في القوة مثل مصر التي تعترض “إسرائيل” على تحركات قواتها في سيناء فكيف تسمح لها بالتمدّد إلى غزة، وتركيا التي تعترض “إسرائيل” على نفوذها شمالاً في سورية فكيف تمنحها نفوذاً جنوباً في غزة، وقطر التي قصفتها “إسرائيل” في عاصمتها الدوحة لقطع شرايين علاقتها بحركة حماس عن بُعد فكيف تمنحها علاقات عن قرب، بينما تمسك بعض الدول بتشكيل القوة والمجلس المشرف عليها برئاسة ترامب عبر قرار أمميّ، وتتمسك سواها بربط المجلس والقوة بأفق سياسي يتصل بحل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية كي يتنسى الحديث عن نزع السلاح والتطبيع، وكل ذلك مرفوض إسرائيلياً بصورة قطعية.
– يوماً بعد يوم تسقط نظرية، أن الزمن الأميركي الإسرائيلي يُعيد صياغة المنطقة، ويظهر أن هذه المبالغة ليست إلا نوعاً من أنواع التفكير تحت تأثير الصدمة، بعدما نجحت أميركا و”إسرائيل” في إظهار قدرات استخبارية وتكنولوجية ألحقت بقوى المقاومة خسائر هائلة، وأصابت قدرتها على الردع، كما نجحت بإظهار قدرتها على الذهاب في الاستخدام المتوحش للقدرة النارية إلى حد حرب الإبادة دون أن تجد وضعاً دولياً وعربياً قادراً على إيقافها عند حد معين، وأحدثت هذه القدرة الأميركية الإسرائيلية حالة من الصدمة وفّرت الأساس لانتشار السردية الإعلامية التي تبشر بسيادة الزمن الأميركي الإسرائيلي.
– يتيح التدقيق بروزنامة حلقات الحرب المتعددة في المنطقة، الانتباه إلى أن لبنان وغزة شكّلا مركز الثقل في استعراض عنصر التفوق الأميركي الإسرائيلي، حيث تقول الحلقة الإيرانية من الحرب إن كل عناصر التفوق لم تنجح بمنح أميركا و”إسرائيل” القدرة على مواصلة الحرب حتى نيل الاستسلام غير المشروط الذي طلبه ترامب أو بدء مسار إسقاط النظام الإسلامي في إيران الذي عمل عليه شريكه بنيامين نتنياهو، وفشلت محاولات إسكات الصواريخ الإيرانية وفشلت “إسرائيل” وأميركا في صدّها وعجزت “إسرائيل” عن تحمل نتائجها، بينما تهرّبت أميركا من الردّ على استهداف قاعدتها المركزية في المنطقة التي استهدفتها إيران رغم وجودها في عاصمة قطر، وذهبت لوقف نار غير مشروط تفادياً لحرب استنزاف تنتهي بسقوط قتلى وتدمير سفن وإغلاق مضيق هرمز، بينما فشلت أميركا و”إسرائيل” في إظهار التفوّق في الحلقة اليمنيّة وجاء وقف النار الأميركي مع اليمن مهيناً لـ”أميركا” عبر التسليم بالسيادة اليمنيّة على البحر الأحمر ومواصلة اليمن لحرب إسناد غزة.
– في الحلقتين اللبنانية والفلسطينية يظهر التفوّق الناري والاستخباري والتكنولوجي الإسرائيلي الأميركي في لبنان، وقدرته على إلحاق خسائر هائلة بالمقاومة، وتظهر حرب إبادة بلا هوادة في غزة دون وجود ما يردعها، لكن يظهر بالمقابل أن اتفاقات وقف إطلاق النار جاءت في لبنان وغزة بمثابة اعتراف بالفشل في إخضاع المقاومة وانتزاع سلاحها، ودون التسليم بالتراجع عن إنهاء المقاومة كهدف أراد وقف النار فتح الطريق لسبل سياسيّة بعد التسليم بفشل السبيل العسكري في أقصى أشكال حضوره قوة وتفوقاً، وكانت الحرب البرية في لبنان إطاراً لتظهير فشل الجيش الإسرائيلي في حرب البر وأعادت حرب غزة تظهير هذا الفشل، وجاء وقف إطلاق النار في لبنان وغزة يعكس توازن قوة التفوّق الناريّ والتكنولوجيّ والفشل البريّ.
– الثورة التكنولوجية التي مثلها الذكاء الصناعي والاستثمار الاستخباريّ على بيانات وسائل التواصل الاجتماعيّ، كان عامل تفوّق حاسم لـ”إسرائيل” وأميركا سواء في ما لحق بالمقاومة في لبنان أو في نطاق حرب الإبادة في غزة، لكن العامل نفسه كان الأساس الذي استند إليه النهوض العالمي بوجه كيان الاحتلال، حيث لعبت وسائل التواصل الاجتماعيّ دور الجبهة الثامنة التي يقول نتنياهو إنها الجبهة التي خسرت “إسرائيل” الحرب عليها، وشكل الذكاء الصناعي أداة الرأي العام للتعرّف على حقيقة الصراع حول فلسطين والانتقال من التعاطف الإنساني مع الضحايا إلى إعادة ترتيب وعيه للقضايا، فارتفع هتاف فلسطين حرّة من البحر إلى النهر في شوارع وبرلمانات الغرب قبل أن يتجرأ العرب على الحديث عنه.
– الدعوة إلى التحرّر من تأثير الصدمة على التفكير ليست دعوة إلى تجاهل حجم التفوق الذي أظهره العدوان الأميركي الإسرائيلي على منطقتنا، بل للانتباه أن هناك حدوداً لقدرة هذا التفوق على رسم نهاية الحرب، الأكثر تعقيداً من اختصارها بميدان واحد من ميادينها.