اخبار لبنان
موقع كل يوم -مستقبل ويب
نشر بتاريخ: ٩ نيسان ٢٠٢٤
راشد فايد - النهار
قفا نحك
من أين للبنانيين هذا الكم من الصبر والجَلد إلى حد البلادة، أمام الاستهبال السياسي الذي يمارسه عليهم المتحكمون بمصيرهم،عنوة واقتداراً، والمجاهرون بكونهم يمثلون مصالح غير لبنانية، ولا عربية، ويريدون للبنان أن يكون حلبة صراع بديل، يجنب أولياءهم فضح عجزهم عن ترجمة التهديدات تحت عنوان وحدة الساحات، وقدرات 'الحرس الثوري' وجبروت 'فيلق القدس'، الذي لم تظهر تجلياته العملانية سوى في البيانات، ومؤتمرات الممانعين من عرب وعجم، والإستعراضات العسكرية، في طهران والضاحية، والتخاطب بين قادتهم عبر شبكة تلفزة مغلقة، كأنهم في تنافس خطابي على لقب 'مستر مقاومة'
اللبنانيون في حالة يأس وقنوط تجاه ما يعيشون، وجُل ما يحلمون به تحصيل قوت يومهم، بعدما ثبت أن لا مخرج لهم من الصبر على تدهور أوضاعهم، وهو همّمهم الأول والأخير، والمؤشر الى ذلك أن سائق التاكسي اليوم صار يعادي الثرثرة المعتادة ويكتفي بسؤال الراكب، أيّاً تكن مهنته، 'برأيك في حرب'. ذلك، أيضا، دأب الحلّاق المعروف عادة بعدم الكلل من الإستفاضة في الكلام. فاللبناني، الذي كان يقال عنه قبل الحروب في لبنان أنه 'حيوان سياسي' صار هاجسه تدبر عيشه وعيش عائلته، بالتي هي أحسن، إذ يرى أن لا حياة لمن تنادي ممن فتتوا الدولة، وجعلوا منها مهزلة الدول، وأن دعمهم المقاومة، بدورها الأصيل، أوصلهم إلى ارتهان الدولة اللبنانية لمشروع لا ناقة لها فيه ولا جمل، لاسيما أن 'غزوة' بيروت والجبل في أيار 2008 أعطتهم درسا عن كيف ينقلب السلاح من مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، إلى احتلال أمان اللبنانيين وأمنهم، حتى باتت الدويلة تملي على الدولة المواقف والقرارات، وتحدد لها الصداقات والعداوات.
من علامات القنوط أن لا صوت يرتفع فوق صوت الحزب الحاكم، ولا فوق فرقعة التهديدات بجر لبنان إلى الحرب الدائرة ضد غزة، والقفز فوق المصلحة الوطنية وصولاً إلى التضحية 'المجانية' بشبان لبنانيين في ما يشبه السباق بين المعنيين على ادعاء الانتساب إلى مقاومي غزة، الذين ليس في مصلحتهم توسيع إطار المعركة، وإخراجها إلى أبعد من عباءتها الفلسطينية، كي لا يكثر البائعون والشارون الوالغون بالدم الفلسطيني، المصرون على التنطح لدور الشريك عن بعد، تحت عنوان إشغال العدو الصهيوني والتخفيف عن غزة، والأمران لم تسجل الرادارات السياسية أي ملمح لهما.
ليست المرة الأولى التي يورط فيها حزب السلاح اللبنانيين ودولتهم في حرب لم يطلب منهم أحد نصرتهم فيها. حتى هم، بذاتهم، لم يطلبوها ولم يريدوها، ولا أرادوها، وإذا صدقت ايران بأنها لا تمون على الحزب ولفيفه في ما بادروا إليه من قتال، فإن ترجمة ذلك هي أن المضمر توريط لبنان في خراب أين منه ما خلّفه اجتياح العدو الإسرائيلي عام 2006، وقبله عام 1982.
إخترعت الحكومة اللبنانية (برئاسة تمام سلام) ما سمّته 'النأي بالنفس' كي لا يتدخل الحزب الحاكم في الحرب السورية في بدايتها، لكنه لم يعدم حجة كي يبرر حشر انفه فيها دعما للنظام السوري، وصار يفاخر بقتل المدنيين والأطفال والنساء.
في ظلال ذلك كان منطقيا تساؤل متابعين: لماذا وافق الحزب على وضع 'قواعد اشتباك' مع اسرائيل، برغم أطنان العداء معها، ولا يبحث في تنظيم خلافه مع مجموع اللبنانيين وفق قواعد تعايش، أساسها احترام القانون تضع حدا لكل ما نجم من تفتيته للدولة، ومصادرة سلطتها، وتقزيم دورها، وهيبة قوانينها وقضائها.
هذا المشهد الوطني المبتسر يُراكم البعد والجفاء بين المكونات الوطنية، ويُنتج اليأس من إصلاح الأمور، ويجعل 'التطنيش' مذهباً سياسياً عرفته دول العالم الثالث في فيء ديكتاتوريات لا يزال بعضها يصارع للبقاء المستحيل في ظلال التواصل الإجتماعي الحديث، والشبكة العنكبوتية.
راشد فايد [email protected]