اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١٠ أيار ٢٠٢٥
خاص الهديل..
بقلم: ناصر شرارة
قالت صحيفة معاريف الإسرائيلية أمس أن الرئيس الأميركي ترامب أرسل لرئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو يقول له إن واشنطن تفضل وقفاً لإطلاق النار في غزة، ولا تفضل أن يطلق نتنياهو عملية عسكرية جديدة ضد غزة.
وتقول معاريف أنه يصعب تخيل أن يقول نتنياهو لترامب: لا. لن أوافق على وقف إطلاق النار!!.
يوجد أمام نتنياهو استحقاق صعب وهو كيف سيتعامل مع ترامب الذي ظن لفترة طويلة أنه سيكون حليفه الأميركي المفضل؛ ولكن يكتشف الآن أن ترامب قد يجعله يبدو أسداً داخل إسرائيل ولكنه فأراً بمواجهة سيد البيت الأبيض.
لقد فضل نتنياهو حتى الآن الصمت بمواجهة سلسلة متتالية من مواقف ترامب التي يعتبرها (أي نتنياهو) غير صديقة لإسرائيل وتتناقض مع سياساته تجاه غزة وتجاه إيران وتجاه الحوثي وتجاه أردوغان: مثلاً قرار ترامب بوقف الحرب ضد الحوثيين، لم يأخذ بنظر نتنياهو مصالح إسرائيل بعين الاعتبار.. أيضاً بدء ترامب مفاوضاته مع إيران من دون أن يشارك بشأنها تل أبيب هو أمر يعد من الكبائر السياسية بنظر نتنياهو.
حتى الآن يبدو نتنياهو وكأنه اعتاد على ابتلاع مواقف ترامب غير الصديقة لإسرائيل؛ ولكنه بعد قليل؛ وفي حال تعاظمت نزعات ترامب للسير وحيداً في المنطقة من دون إسرائيل؛ فإن نتنياهو سيصبح مضطراً لرفع الصوت بوجه ترامب.. والسؤال الطبيعي الذي يطرح نفسه هنا هل يستطيع نتنياهو دون كل الزعماء الآخرين في العالم أن يرفع صوته بوجه ترامب؛ وعلى افتراض كان الجواب 'نعم يستطيع'؛ فمتى يقرر نتنياهو فعل ذلك؛ أي أن يقول لترامب كفى؛ وما هي أوراق القوة التي يملكها نتنياهو بوجه ترامب الذي يعتبر أقوى رئيس مرّ على الولايات المتحدة الأميركية.
الإجابة عن هذه الأسئلة ستكون خلال الأسابيع المقبلة هي الحدث الأهم على ساحة الشرق الأوسط إلى جانب حدث نتائج زيارة ترامب للسعودية والإمارات وقطر.
وفي إطار استشراف ما قد يحدث على هذا الصعيد تجدر إبراز المعطيات التالية:
أولاً- يعتبر نتنياهو من أكثر الشخصيات الإسرائيلية معرفة بدواخل كواليس السياسة الأميركية ومطابخ القرار فيها، الخ..
وعليه فإن نفوذ نتنياهو داخل الولايات المتحدة الأميركية يبدأ من نقطة مهمة، وقليلاً ما يتم تسليط الضوء عليها، وهي سعة معرفته بدواخل الولايات المتحدة الأميركية السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والاجتماعية، الخ..
حينما جاء نتنياهو إلى إسرائيل من الولايات المتحدة الأميركية تم النظر اليه في إسرائيل على أنه نموذج لليهودي الإسرائيلي الأميركي؛ وهو لفترة غير قصيرة ولا يزال يعتبر الرجل الأقوى في الولايات المتحدة الأميركية؛ ومصادر قوته هناك بينها ما هو مرئي وبينها ما هو مستتر.
ثانياً- حينما وصل باراك أوباما إلى البيت الأبيض كان لا يقل قوة داخل الولايات المتحدة الأميركية من ترامب؛ ولقد دخل نتنياهو مع أوباما باشتباك سياسي عنيف ومفتوح ومباشر؛ لدرجة أن أوباما هدده علناً في خلال جلسة معه بالقتل؛ ولكن نتنياهو حسبما يعترف أوباما ذاته لم يهن ولم يخاف من رئيس أكبر دولة في العالم ونجح في ليّ ذراعه (أي ليّ ذراع أوباما).
ومن خلال شهادة أوباما حول علاقة نتنياهو بالعم سام يتضح أن القصة في جانب منها تتجاوز قضية شخصية نتنياهو لتصل لموضوع أن أي رئيس حكومة في إسرائيل هو أقوى في الولايات المتحدة الأميركية من رئيس أكبر دولة حليفة لأميركا؛ ومع نتنياهو يصبح الأمر مضاعفاً نظراً لقوة نتنياهو بشكل خاص داخل أميركا.
يقول أوباما أن المجتمع المؤثر سياسياً في الولايات المتحدة الأميركية مستلب ثقافياً ودينياً وعقائدياً بفكرة دعم إسرائيل وبفكرة تقديس دعم إسرائيل.
هناك عشرات الملايين من المسيحيين الإنجيليين الذين يعتقدون أن دعم إسرائيل هو جزء من عقيدتهم الدينية ومن صلتهم مع الرب؛ وهؤلاء يعرف نتنياهو ما هي مفاتيح تثويرهم ضد ترامب في حال أراد ذلك.
الفكرة الأساسية هنا تريد القول أن ترامب ليس أقوى داخل مؤسسة الحكم في أميركا من أوباما وليس أذكى منه – وهنا الفرق الكبير – ومع ذلك لم ينجح أوباما بهزيمة نتنياهو.
ثالثاً- بمقابل اعتبار نتنياهو بطلاً لا يهزم في أميركا حسبما يلمح أو حتى يصرح أحياناً أوباما؛ هناك طيف من المحللين يجزم بأن ترامب لن يسمح لنتنياهو بأن يلعب به مهما كان الثمن. وبدأ ترامب بتوجيه رسائل عملية لنتنياهو بهذا المعنى؛ وحتى هذه اللحظة يبدو أن نتنياهو استكان تحت ضربات ترامب له.
السؤال هو في حال قرر ترامب الانتقال من مرحلة عدم إيلاء أي اعتبار لقوة نتنياهو المعتادة داخل البيت الأبيض كما تمظهرت أيام أوباما وبايدن إلى مرحلة محاولة ترامب إسقاط نتنياهو داخل إسرائيل؛ فهل حينها سينتقل نتنياهو من مرحلة استيعاب ترامب إلى مرحلة شن هجوم مضاد عليه؟؟.
أغلب الظن أن نتنياهو سيفعل ذلك وحينها سيذهب – ربما – إلى سلوك ثلاث وسائل معاً:
الوسيلة الأولى شد عصب اليمين اليهودي الديني في إسرائيل وأميركا حول زعامته بوصفه اليهودي الذي يقرر الصمود في أورشليم بانتظار عودة المخلص ليكون بين أهله اليهود؛ وهو سيقوم بهذه المهمة حتى لو طلب منه ترامب فعل عكس ذلك ومهادنة الأخيار، الخ..
والواقع أن تحصين نتنياهو نفسه بهذه التميمة الدينية ستسبب صداعاً داخلياً لترامب المحتاج في هذه المرحلة لدعم داخلي بوجه نتائج حربه التجارية على المستهلك الأميركي.
الوسيلة الثانية توجه نتنياهو لتحريك اللوبي اليهودي الأميركي للضغط على ترامب بمناسبة الانتخابات النصفية التي إن لم يفز فيها ترامب فسوف يتحول لبطة عرجاء.
الوسيلة الثالثة هي إشعال تناقضات داخل البيئة التي تحيط بترامب نفسه وهي بيئة فيما لو توحدت فإنها ستصبح إدارة ظل!!.
ولكن بمقابل كل هذه الوسائل التي قد يستخدمها نتنياهو في حال شعر أن ترامب يريد إسقاطه يوجد أمراً غاية في الأهمية، رغم أنه يحتاج لتأكيد؛ وهو أن الولايات المتحدة مع ترامب أو وراء ترامب تخوض فعلياً حالياً حرباً وجودية اقتصادية؛ ولذا فإن أولويتها في هذه المرحلة هي استعادة عظمة أميركا وليس استعادة أو الحفاظ على عظمة إسرائيل!!.