اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢ حزيران ٢٠٢٥
خاص الهديل…
قهرمان مصطفى
في خضم لحظات إقليمية حبلى بالتحوّلات، تتحرك سوريا بهدوء نحو استعادة موقعها كحلقة وصل أساسية في معادلة شرق المتوسط – الخليج؛ فبعد سنوات من الحرب والعقوبات، تشهد دمشق تحولاً نوعياً لا على مستوى السياسة فحسب، بل في إعادة تشكيل موقعها داخل المشهد الجيواقتصادي الإقليمي؛ وهذا التحول لا يُقاس بالتصريحات فقط، إنما بحجم الصفقات والمشاريع التي بدأت تتوالى من بوابة الاستثمار.
التحرك الأبرز جاء مع توقيع سوريا اتفاقاً في مايو الجاري بقيمة 7 مليارات دولار في قطاع الطاقة، يتضمن إنشاء محطات كهرباء وتوسيع شبكة الغاز والبنى التحتية المرتبطة بها، بتمويل أميركي تركي قطري مشترك؛ حيث يمثل هذا الاتفاق حجر زاوية في محاولة سوريا استعادة استقرارها الاقتصادي، ويشكّل بداية انفتاح فعلي على رؤوس الأموال بعد تليين العقوبات الغربية وعودة بعض قنوات التمويل العربي.
بالتوازي، وقّعت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية مذكرة تفاهم مع شركة موانئ دبي العالمية لاستثمار 800 مليون دولار في مرفأ طرطوس، في مشروع يهدف إلى إعادة تأهيل المرفأ وتحديثه ليصبح مركزاً إقليمياً للتجارة البحرية..خطوة جاءت بعد إلغاء عقد سابق مع شركة روسية لم تلتزم بتطوير المرفأ، ما أتاح دخول الإمارات كمستثمر جدي يملك خبرة في تشغيل 78 محطة حول العالم.
ولم تكن فرنسا بعيدة عن هذا المشهد. فقد جدّدت شركة CMA CGM، ثالث أكبر ناقل بحري في العالم، عقد تشغيل محطة الحاويات في مرفأ اللاذقية لمدة 30 عاماً. الشركة التي تنشط في موانئ بيروت وطرابلس والعقبة والبصرة، تثبّت وجودها على طول شرق المتوسط، فيما يشبه مشروعاً متكاملاً للسيطرة على عقد النقل البحري الإقليمي، وسوريا باتت جزءاً أساسياً منه.
هذه الخطوات ليست مجرد استثمارات منفصلة، بل تعكس بداية انتقال سوريا من 'الاقتصاد المغلق' إلى نموذج اقتصادي ليبرالي تدريجي، تحكمه قوانين السوق والانفتاح. أكثر من 500 شركة تقدمت بطلبات استثمار في قطاعات مختلفة، فيما تتحضر دمشق لطرح أولى مراحل الخصخصة، بهدف تخفيف العبء عن القطاع العام وجذب رؤوس الأموال.
وفي وسط هذه المؤشرات، تبرز سوريا اليوم لا كساحة صراع، بل كممر محتمل للنفط والغاز من المتوسط نحو الشرق، وكمركز لوجستي ناشئ. ومع ارتفاع حرارة الملفات الإقليمية، قد يتحول الاقتصاد إلى حصان طروادة يعيد دمشق إلى قلب اللعبة، ببطاقة عبور اسمها: الاستثمار.