اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٩ نيسان ٢٠٢٥
في الذكرى الخامسة والعشرين لتحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي، يعود الجنوب إلى صناديق الاقتراع، لا احتفالاً بالنصر، بل في مشهد انتخابي مثقل بالدم، والدمار، والتهجير. ففي 25 أيار 2025، يُجرى استحقاق بلدي استثنائي في محافظتي الجنوب والنبطية، وسط ركام أربعين قرية دمّرتها آلة الحرب الاسرائيلية.
وعلى الرغم من الخراب، تُصر قيادة “الثنائي الشيعي” على خوض المعركة البلدية بـ “ثقة المنتصر”، رافعة شعار “الهوية والوجود”، كأن الاستحقاق ليس تصويتاً إدارياً، بل “استفتاء شعبي” على خيار المقاومة، لا سيما في وجه خصومٍ داخليين وخارجيين، بات يُنظر إليهم كامتداد لـ “المؤامرة”.
ماكينة الحرب.. تتحول ماكينة انتخابية
منذ أسابيع، تتكثف الاجتماعات بين حزبي الثنائي، لتشكيل لوائح موحدة، والتوصل إلى توافقات محلية تُجنّب القرى أي معركة انتخابية فعلية. يقول مصدر مقرّب من الثنائي لموقع “لبنان الكبير”: “المعركة ليست بلدية، بل معركة إثبات حضور. نحو 85% من المناطق حُسمت بالتزكية، لأن الخصوم لن يجرؤوا على مواجهة لوائح تحمل أسماء شهداء ما زالت جثثهم تحت الأنقاض”.
التوصيف ليس مجازياً. في قرى مثل الخيام وبنت جبيل، لا تزال رائحة الحرب عالقة. الركام حاضر في الذاكرة والطرقات. وأمام هذا المشهد، لا تجرؤ قوى معارضة على تنظيم لوائح منافسة، في ظل نظام انتخابي أكثري يختصر المعركة إلى لائحة رابحة وأخرى تموت سريرياً قبل أن تُولد.
“الانتخاب على تراب الشهداء”
ماكينات انتخابية تنشط كأنها تُدير جبهة مقاومة جديدة، لا انتخابات بلدية. في الخطاب الرسمي، يُربط الاستحقاق بـ “دماء الشهداء”. وفي الشارع، تُرفع صور من قضوا تحت القصف، لتتحوّل صناديق الاقتراع إلى صناديق “وفاء” وليست “محاسبة”.
“من يجرؤ على ترشيح نفسه في بلدة دُمِّرت بالكامل؟ الناس هنا تريد إعادة الإعمار، لا معارك سياسية”، يقول أحد المعارضين الجنوبيين لموقع “لبنان الكبير“، في إشارة إلى تراجع المزاج الشعبي عن أي مواجهة انتخابية مباشرة مع الثنائي، ولو على مستوى بلدي محدود.
ما بعد الانتصار.. ما بعد الهزيمة
البلديات المقبلة، التي ستُنتخب في ظل انهيار الخدمات والبنى التحتية، ستواجه ملفات شائكة من عودة الأهالي، إلى إزالة الركام، وصولاً إلى تأمين المياه والكهرباء. لكن أي فشل في الأداء البلدي، قد يُعيد فتح النقاش حول جدوى “خطاب الصمود”، حين يصطدم الناس يومياً بواقع الانهيار.
الجنوب يصوّت.. لا يختار
الجنوب يُدعى إلى صناديق الاقتراع في ذكرى تحريره، لكن المشهد مختلف تماماً. لا هو مشهد نصر، ولا هو مشهد ديموقراطية، بل مزيج من خوف ودمار واحتكار سياسي. وفي ظل غياب البديل، يبدو التصويت مجرد إجراء شكلي يُكرّس هيمنة لا ينافسها أحد.
استحقاق يُجرى فوق الجمر، ويُروّج له باسم الأرض، والكرامة، والدم. لكن بين الركام، تبقى الأسئلة معلقة: هل تبني صناديق الاقتراع ما دمّرته الحرب؟ أم أن إعادة الإعمار تبدأ من إعادة النقاش حول من يُقرر، وكيف، ولماذا؟