اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١٦ تموز ٢٠٢٥
د. محمد عبدالسلام ياسين
عانت مادة التربية البدنية والرياضية لعقود طويلة من التهميش، وتُحسب غالبًا كمادة «ثانوية» أو «ترويحية»، رغم أنَّ دورها يتعدى ذلك بكثير، ويمتد إلى بناء الإنسان السليم بمختلف النواحي البدنية، والنفسية، والذهنية، والاجتماعية والصحية.
اتخذ مجلس النواب اللبناني في أيلول 2022 عبر لجنة التربية والتعليم العالي، قرارًا تاريخيًا بإدراج مادة التربية البدنية في الشهادات الرسمية المتوسطة والثانوية بدءًا من العام الدراسي 2023–2024، ويأتي هذا القرار استجابة لمطالبات تربوية متراكمة، ولرؤية تعتبر التربية البدنية والرياضية حقًا أساسيًا للمتعلم لا يجوز تجاهله بعد الآن.
إنَّ الرياضة ليست مجرّد تمارين جسدية، بل هي مدرسة تعمل على تعويد المتعلمين على الانضباط، واحترام القوانين، وتعزيز العمل الجماعي والتعاون والمحبة بينهم، ومن خلالها، يكتسب المتعلم المعنى الحقيقي للروح الرياضية وتقبل الربح والخسارة، وكيفية أخذ القرارات بشجاعة وثقة، وهي بمجملها مهارات حياتية أساسية وضرورية في حياة المتعلم.
إنَّ إدراج مادة التربية البدنية والرياضية ضمن الشهادات الرسمية في لبنان يُنهي عقودًا من التمييز في التعامل مع المواد التعليمية، ويُعطي موقعها المستحق كجزء من التكوين العام للمتعلم وتحقيق الأهداف التربوية المرجوة.
إنَّ هذه الخطوة قد تُفسح المجال أمام اكتشاف المواهب الرياضية وتوجيهها نحو التميز واحتراف المتعلمين، لذلك آن الأوان لأن تُمنح التربية البدنية والرياضية ما تستحقه، ليس فقط في الامتحانات الرسمية، بل في الوعي العام، والتخطيط التربوي، والسياسات المدرسية، فهي ليست مادة هامشية، بل ركيزة من ركائز التربية الشاملة وبوابة نحو مستقبل أكثر صحة، وعدالة، وتوازنًا لبناء جيلٍ سليم وواعٍ.
لا شك أنَّ العديد من المدارس في لبنان وخصوصًا الرسمية منها تُعاني من نقص في المرافق والأساتذة المتخصصين، إلا أنَّ الحلول متاحة بتفعيل تعاون إدارات المدارس مع البلديات والنوادي الرياضية لإستخدام مرافقها وملاعبها العامة.
تعمل حاليَّا لجنة التربية البدنية والرياضية التي لي الشرف أنْ أكون أحد أعضائها والمكلفة بكتابة وتطوير مناهج التربية البدنية والرياضية في لبنان بتوجيه وإشراف المركز التربوي للبحوث والإنماء على تأكيد أحقية هذا القرار وضرورة الأخذ به من قبل المعنيين في وزارة التربية والتعليم العالي للعام الدارسي القادم لكونه يتوافق مع مرحلة تطوير المناهج التعليمية والنهضة التربوية التي تُرافق العهد الجديد في لبنان.
ختامًا، أرى أنَّ إدراج مادة التربية البدنية والرياضية في الإمتحانات الرسمية هو الطريق الصحيح نحو بناء جيل متوازن وصحيّ وهو حق لكل متعلم في الحصول على تربية سليمة تهدف إلى تحقيق نموه الشامل في الجوانب العقلية والنفسية والجسدية والاجتماعية.
(*) دكتوراه في التربية البدنية والرياضية