طرابلس تتحوّل إلى "ساحة حرب" في رمضان!

لم يُصدم الطرابلسيّون من مشهد انتشار وحدات من الجيش والمخابرات بكثافة في عددٍ من أحياء المدينة وشوارعها، بعدما تحوّلت طرابلس إلى ساحة 'حرب' في شهر رمضان المبارك الذي لم يُشكّل رادعاً للمخلّين بأمن هذه المدينة 'المستباحة' أمنياً وعسكرياً.

ولا يغفل أحد شمالاً عن رغبة المواطنين المستميتة (والذين وقعوا ضحية افتعال المشكلات وعمليات السطو المسلّح التي لم يخجل القائمون عليها من ارتكابها أو من العبث بأسلحتهم علناً)، في حصول هذا التدخل الأمنيّ العاجل، بغية الوصول إلى الاستقرار الذي لم يشعر أحدهم به خصوصاً منذ بداية هذا الشهر الذي لم يعرف فيه الطرابلسيّ الهدوء، في وقتٍ لم تهدأ فيه أصوات الرصاص، كما لم تستكين سلسلة من الاعتداءات 'اللامحدودة' مع القنابل الصوتية التي باتت بديلاً مطروحاً لمدفع رمضان اليوميّ في كلّ أحياء طرابلس ومناطقها.

ويشير مصدر عسكريّ لـ 'لبنان الكبير' إلى محاولة أمنية لضبط الوضع في المدينة التي تُعاني من هشاشة أمنية واضحة بسبب إمساك بعض السياسيين بالملف الأمنيّ فيها، فصحيح أنّه تمّ اعتقال مطلوبين منذ ساعات، لكن الاتصالات والضغوط السياسية تبقى متواصلة للإفراج عن بعضهم ربما بعد مدّة زمنية قصيرة، مبدياً قلقه من استمرار مسلسل تنقّل الحوادث الأمنية في المدينة ضمن مخطّط يستهدف نشر الفوضى فيها لاستثمارها فيما بعد.

في الواقع، يُعيد مشهد التدخّل الأمني والعسكريّ في طرابلس خلال الساعات الأخيرة (وتحديداً في ساعات المساء) إلى الذاكرة، الأحداث العسكرية التي حصلت في طرابلس عام 2013 بعد معارك طاحنة بين جبل محسن وباب التبانة، أدّت حينها إلى تدخّل الجيش ودخوله 'بالقوّة' إلى منطقة التبانة وشارع سوريا 'ليلاً' حيث انتشرت دباباته في المنطقة، وذلك للحدّ من التدهور الأمني والاشتباكات التي حدثت نتيجة أحداث سوريا.

كما يُعيد المشهد الحاليّ الطرابلسيين أيضاً إلى العام 2014، وتحديداً بعد تنفيذ الخطّة الأمنية التي بدأت في شهر نيسان، بحيث وقعت اشتباكات بين الجيش ومسلّحين في باب التبانة والذين عُرفوا بـ 'قادة المحاور' أو بـ 'المربّع الأمني' الخاصّ بمجموعتيّ شادي المولوي وأسامة منصور المنتميين عقائدياً الى 'جبهة النصرة'، وتمكّن حينها الجيش من إحكام سيطرته على التبانة منفذاً مداهمات لم تحدث إلّا بعدما توارى المطلوبون عن الأنظار تدريجياً، عقب هدنة طلبها المسلّحون وتمّ التوافق عليها بـ 'تغطية سياسيّة' واستمرّت لمدّة ساعة تدفّق خلالها آلاف النازحين (مع المسلّحين) الذين خرجوا من التبانة حينها، الأمر الذي يُشير فعلياً إلى وجود 'ثغرة' أمنية، عسكرية وسياسية لا تزال مستمرّة وقائمة، حتّى بعد تنفيذ الخطّة الأمنية التي لم تُستكمل ولم تُطبّق خطواتها على 'أكمل وجه'، وذلك على الرّغم من توصية أخيرة لوزير الداخلية والبلديات بسام مولوي منذ فترة بتطبيقها، ما يُفسّر الواقع المأساويّ الذي تُواجهه المدينة بوجود مخلّين لا يخافون 'لومة لائم'.

ويتساءل الكثير من المتابعين عن سبب ظهور المسلّحين 'علناً' ومن دون خجل أو تردّد عبر الكاميرات تحديداً في هذه الفترة الزمنية، كما عن سبب عدم بسط الجيش سيطرته على كامل مناطق المدينة المهدّدة والتي تتكرّر فيها هذه الأحداث، وذلك كيّ لا تتحوّل المدينة كالعادة إلى 'خاصرة رخوة' يُمكن أنْ تُستحضر فيها وبأيّ لحظة، هذه الشخصيات الخارجة عن القانون والمعروفة 'بالاسم' والصورة أيضاً.

بدورها، تُؤكّد مصادر طرابلسية لـ 'لبنان الكبير' أنّ الفلتان الأمني في طرابلس أصبح لا يُحتمل، وأنّ الكثير من 'الشبيحة' باتوا يتحكّمون بالنّاس وبمحالهم التجارية عبر حماية ووصاية يحظون بها من سياسيي مدينة لا يرغب أهلها في أنْ تتحوّل إلى 'واحة' أمنية خطيرة بسبب ارتفاع عدد المطلوبين.

ويُشدّد متابع لهذا الملف، على أنّ المسؤولية لا تقع على عاتق الأمنيين فحسب، بل يتحملها السياسيون الطرابلسيون الذين لا يتراجعون عن تغطية شخصيات باتت معروفة بقبح تصرّفاتها واعتداءاتها على المواطنين، موضحاً أنّ تدخلات السياسيين من دون استثناء، باتت مستغربة أمنياً عند بعض الضباط الذين يُشيرون إلى قيامهم بواجباتهم من اعتقال المطلوبين، لكنّ التدخل السياسي عبر القضاء يُفسد القضية كلّها.

ويقول لـ 'لبنان الكبير': 'سياسيو طرابلس يتحمّلون المسؤولية الأكبر، لأنّهم يُجرون تسويات ومقايضات تدفعهم إلى التمسّك بشخصيات أو رميها حين يحترق كارتها، ونحن نعرف شبيحاً يفرض على النّاس خوّات في التبانة، اعتقله الجيش منذ فترة وخرج بعد ثلاثة أشهر ولا يزال يُمارس تشبيحاته على النّاس، وحين سألنا عن الشخصية التي أخرجته من السجن، عرفنا أنّه مدير مكتب أحد أكبر سياسيي المدينة، ونعرف سياسياً آخر يُخبئ المطلوبين في مكتبه ليحميهم، وهي استراتيجية يتّبعها السياسيّون في المدينة منذ أعوام عدّة، ويُعرفون بقدرتهم على تغطية عصابات ومافيات منتشرة بشدّة في المدينة بلا حسيب أو رقيب تعتدي على أرزاق النّاس بالقنابل أو بالتهديد كاعتداء احداها على محل حلويات القناعة في التبانة منذ فترة مثلاً…'.

ويُضيف: 'إنّ الدّولة لا تُبقي على المطلوبين الذين يقتلون، ينهبون، يسرقون ويعتدون على المواطنين لفترة طويلة في السجون، فتُخرجهم بسبب اكتظاظها، لكن لو اتُهموا بالإرهاب أو تمّ تلفيق لهم رواية محبوكة، سيدخلون السجن من دون محاكمة ومن دون التفكير في كيفية الخروج منه'. ويعتبر أنّ المافيات الموجودة لا تكمن في وجود المسلّحين التابعين فحسب، بل في وجود مافيات الاشتراكات الكهربائية التي أصبحت تُشكّل هاجساً بالنسبة الى الطرابلسيين، بسبب تهديدها النّاس أو المكاتب المنافسة لها بعدم الاقتراب من 'حدودها الجغرافية وزبائنها' كيّ لا تحصل 'مجازر'، تماماً كما حدث مثلاً في الزاهرية منذ فترة وجيزة، وفي غيرها من المناطق التي تشهد على الفلتان الأمني والأخلاقي الذي يدفع بعدد من مكاتب الاشتراكات إلى سرقة المواطنين 'علناً'، عبر سرقتها كهرباء الدّولة وايهام النّاس باستمرار التقنين في مناطقهم أيّ انقطاع الكهرباء عنهم، فتقوم بإعطاء كهرباء الدّولة لمنطقة وتوحي بأنّها 'اشتراك'، وذلك للتوفير من جهة، ولحصد المزيد من الأرباح 'المحرّمة' من جهة ثانية.