اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٤ تموز ٢٠٢٥
كتب ناصر قنديل في 'البناء'
– تصريح توماس باراك الثاني لتصحيح التصريح الأول حول ضمّ لبنان إلى سورية، بدلاً من أن يكحّلها عماها، لأنه تجاهل التصريح الأول واكتفى بكلام عام عن إعجابه بما تفعله السلطات السورية الجديدة، وعلاقة دولتين سيّدتين بين سورية ولبنان، دون أن يستعيد تصريحه الأول فيقول، إنه قصد شيئاً غير ما فُهم من كلامه ويشرح قصده وتفسيره في مفردات كلامه، أو أن المنشور تزوير وكلام لم يصدر عنه، أو يعتذر لأنه تجاوز الأصول في لحظة انفعال وارتكب هفوة وزلة لسان ما كان يجب الوقوع فيهما، وكان يُفضّل في هذه الحالة مع الاعتذار أن يستقيل من مهمته، أما التجاهل وإصدار ملحق لتصريحه الأول بعكس مضمونه فيؤكد الاستهتار والاستخفاف، بل احتقار النخبة السياسية والمرجعيات الدينية والوطنية والدستورية في لبنان.
– لمرة ثالثة ورابعة تصدر عن توماس باراك تهديدات كيانيّة للبنان، بعدما لمّح مراراً لسقوط سايكس بيكو، ليس طلباً لإنهاء وجود كيان الاحتلال في فلسطين، باعتبار كيان الاحتلال أهم مخرجات سايكس بيكو، بل باتجاه واحد هو إنهاء استقلال لبنان، ولسبب واحد لا يُخفيه، وهو الضغط على الطوائف اللبنانيّة ودفعها نحو الحرب الأهلية، والضغط على مرجعيات الدولة اللبنانية ودفعها نحو الخضوع للإملاءات الإسرائيلية، والقبول بإسقاط القرار 1701 لصالح المفهوم الإسرائيلي للأمن، والعصا التي يلوّح بها هي إنهاء الكيان اللبناني وضمّه إلى سورية.
– الفضيحة الأشدّ خطورة ليست في كلام باراك، بل في ضعف الردود اللبنانيّة على كلامه، بصفته المسؤول الأميركي الأبرز المعنيّ بالمشرق العربي وخصوصاً علاقات لبنان بكل من كيان الاحتلال والحكم السوريّ الجديد، حيث إن الخائفين من طغيان مذهبي يحمل توجهاً متطرّفاً تكفيرياً على هوية الدولة السورية الجديدة، والذين يتباهون بانتمائهم إلى بلد الأرز الذي يزيد عمره عن آلاف السنين مطالبون برفع الصوت ولم يفعلوا بعد، وكذلك الذين توسّموا الخير في حاكم دمشق الجديد وسوّقوا وروّجوا لحرصه على العلاقة الطيّبة مع لبنان، أو الذين نادوا بالتعاون معه كصديق للبنان، ولم يسمعوا من دمشق اعتراضاً على كلام باراك، مطالبون بسؤاله عن سر الصمت وإعلان مواقف تنبع من وطنيّتهم وتعبر عنها، والسؤال لهؤلاء، ماذا لو كان تصريحاً مثل هذا صدر عن مسؤول إيراني أو روسي في ظل وجود النظام السابق تحت شعار سقوط سايكس بيكو، بل ماذا لو كان ما قاله باراك قاله هو نفسه في ظل النظام السابق؟
– بالنسبة لأهل المقاومة لا يقدّم التصريح ولا يؤخر ولا يصيب أحداً بالذعر، بل يؤكد أن السلاح صار وجودياً وكيانياً، طالما أن وطنهم مهدّد جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً فماذا يتوقع من شعبه غير التسلّح والمزيد من التسلّح، وطالما أن أهل المقاومة مستهدف أول من كل الاتجاهات، فمن هو الذي يجرؤ على القول لهم إن عليهم التجرد من السلاح، كي يساقوا للذبح كالأغنام، وهم يرون ما يحصل في غزة للفلسطينيين، والعالم يتفرّج وأول المتفرجين هم العرب، ويرون ما يحصل مع ألوان الطيف السوري من طوائف ومذاهب، في حكم يصرّح أنه حكم يمثل لون الأغلبية ويجاهر مَن هم معه بأن على الأقليّات الطائفيّة الخضوع تحت طائلة التهديد بالموت، كما قالت مجازر الساحل واشتباكات السويداء وصحنايا وجرمانا وصولاً لتفجير الكنائس.
– ثمّة كثير من الإشارات التي تقول إن الأمر لا علاقة له بالسلاح، وإن الربط بين الأمرين، نزع سلاح وإطلاق يد جبهة النصرة كذراع أميركية في بلاد الشام ليس سببياً، أي إذا لم ينزع السلاح يتمّ مد اليد على لبنان، فإطلاق اليد قائم في الحالين، لكن طرح السلاح لإعفاء جماعة أميركا من التعليق كأنهم سوف يعاملون بالتكريم والتبجيل عندما يأتي الايغور والأوزبك والشيشان إلى لبنان، لكن الهدف من الربط أيضاً هو الابتزاز فإذا نجح تهون مهمة إطلاق اليد دون مقاومة، أما عن الإشارات فإن أولها التسريع بعملية رفع العقوبات وتجاهل الشروط والتدرّج وفق قاعدة خطوة تقابل خطوة، والصمت عن الارتكابات التي تصل إلى التطهير العرقي بحق مكونات سورية بعضها يفترض أنه صديق للغرب وأميركا خصوصاً، ومن الإشارات عدم الاكتفاء بإزالة أسماء معينة عن لوائح الإرهاب والذهاب إلى أعلى سقف ممكن وهو إزالة اسم جبهة النصرة المعلنة كفرع لتنظيم القاعدة في بلاد الشام، ثم الحديث عن سقوط سايكس بيكو، وهذا لا يشمل طبعاً فلسطين لكنه يشمل العراق والأردن إضافة إلى لبنان. ويبقى الأهم بين هذه الإشارات القرار الأشد خطورة ومعنى، وهو التخلّي عن شرط ترحيل المقاتلين الأجانب والقبول بالنيابة عن السوريين ورغماً عنهم، بتجنيس هؤلاء وتسليمهم مواقع حساسة في جيش الدولة التي يفترض أنها سورية وليست دولة الجهاد العالمي، أو دولة بني أمية العالميّة العابرة للجنسيات، وهذا منشأ القلق التركيّ من خطة أميركيّة تعتمد على حاضنة أمويّة تحل مكان العثمانية، بما ترتب عليه من رسائل أمنية شديدة للسلطات السورية الجديدة لعدم المبالغة بالتشبيك المنفصل عن تركيا مع أميركا و»إسرائيل»، ولذلك لا تستبعد صحة المعلومات التي تقول إن واشنطن وتل أبيب طلبتا من جبهة النصرة تفعيل نشاطها وبناء خلاياها في لبنان والعراق والأردن، وفلسطين أيضاً، رغم أنها علناً أعلنت حلّ نفسها. وبالمناسبة رفع اسمها عن قوائم الإرهاب جاء بعد إعلان الحل، وكل هذا يعني أن واشنطن تنظر لجبهة النصرة كحليف لا مشكلة لديه بتنّي كامل الخطاب الأميركي الإسرائيلي تحت شعار مواجهة عدو واحد، كما يقول الخطاب السوري الرسمي الجديد، والعدو هو إيران وقوى المقاومة.
– يبقى القلق اللبناني، وهو واجب وضروريّ، ويستدعي رداً في السياسة رغم التراجع الشكلي والضعيف بل والسخيف الذي أضيف كملحق توضيحي لكلام باراك، لأن الكلام هو اعتداء على القانون الدولي وسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة وتهديد بتفكيكها وعرضها جائزة للغير، تماماً كوعد بلفور في فلسطين، يأتي وعد توماس باراك ليس للسوريين بل للايغور والشيشان والأوزبك بمستوطنة اسمها لبنان، ويصفها بـ المنتجع البحريّ لهم، فهل ينهض بين اللبنانيين مَن يجرؤ على مواجهة توماس باراك وإبلاغ إدارته أن لبنان لا يريد مفوضاً سامياً، بل مبعوثاً يطبق اتفاق وقف إطلاق النار، أما بالنسبة للمقاومة فهي آخر من يقلق وليست ثمة حاجة للشرح كثيراً، ذلك أن تفجير جبهة حدود لبنان الشماليّة والشرقيّة سوف يفجّر جبهات حدوديّة كثيرة ليس جنوباً فقط، بل ربما حدود غير لبنانيّة أيضاً، يجب أن يقلق منها صاحب اللسان الطويل.
– في بيئة المقاومة كما بين كل أهل الكرامة من اللبنانيّين لا يعني كل ما قيل وما يُقال مثله من تحليلات وقراءات، أن أحداً يحمل ضغينة لسورية، وشعبها وحتى حكومتها، رغم الشعور بالمرارة من هذا الاقتراب المؤلم نحو كيان الاحتلال والتخلّي عن مفهوم السيادة والجولان وقبلهما فلسطين والمقدّسات، وبكل حال يأمل هؤلاء أن لا ترتكب الحكومة السورية الجديدة خطأ تاريخياً بتحمل مسؤوليّة العبث بالعلاقات بين الشعبين بدلاً من التعاون لترميم وتضميد جراحها، لأن الأميركي والصهيوني يتقنان فنون الفتن ونصب الفخاخ، وهذا أكبر فخ وأخطر فتنة.