اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
نوال أبو حيدر
في ظل التحدّيات الاقتصادية والمالية المتفاقمة التي تواجهها الدولة اللبنانية، تعود إلى الواجهة مسألة إصلاح الإدارة الجمركية باعتبارها أحد المفاتيح الأساسية لزيادة الإيرادات العامة وضبط التهريب المنظّم. وفي هذا السياق، أعلن وزير المالية ياسين جابر عن سلسلة إجراءات إصلاحية تهدف إلى إعادة هيكلة عمل الجمارك في مرفأ بيروت، من خلال إدخال تقنيات حديثة كأجهزة السكانرز المتطورة، وربطها بالنظام الآلي للجمارك، إضافة إلى إنشاء الشباك الموحد وتطبيق نظام التسجيل المسبق للبضائع.
هذه الخطوات، التي تُطرح كجزء من مشروع إصلاحي شامل، من شأنها أن تغيّر جذريا آليات العمل الجمركي، وتحدّ من تدخّل العنصر البشري، بما ينعكس على ضبط التهريب وتحسين مستوى الشفافية.
لكن في المقابل، تطرح هذه الإجراءات تساؤلات جوهرية حول مدى جهوزية البنية التحتية، وقدرة الإدارة على التنفيذ، وحجم الأثر الفعلي على حركة الاستيراد والتخليص، في بلد تتشابك فيه الإصلاحات مع التجاذبات السياسية والمصالح المتداخلة.
أجهزة التفتيش تصل قريباً...
يقول مسؤول رفيع في المديرية العامة للجمارك اللبنانية، لـ «اللواء» إنه «حتى الآن، لم تصل الأجهزة الجديدة إلى لبنان بعد، ومن المتوقع أن تصل خلال نهاية هذا الشهر الجاري. بعد وصولها، سيتم العمل على تفعيلها وتشغيلها بشكل كامل خلال شهر تشرين الثاني المقبل. هذه المرحلة تشمل ليس فقط تركيب الأجهزة، بل أيضا تدريب الفرق المختصة على استخدامها بكفاءة، وضمان تكاملها مع أنظمة إدارة المخاطر القائمة. رغم التحديات اللوجستية والفنية التي قد تواجه عملية التركيب والتشغيل، يُعتبر هذا التوقيت خطوة حاسمة لتعزيز قدرة الجمارك على المراقبة بشكل أكثر دقة وفعالية، والحدّ من عمليات التهريب والتهرّب الجمركي التي تعاني منها البلاد».
الجمرك على جبهتين: تأهيل الكوادر وتطوير النظام
توازيا مع ذلك، يشرح المصدر أن «البنية اللوجستية على الأرض لا تزال قيد العمل، ولكن فيما يتعلق بالجمارك، فالوضع مختلف تماما. أما من الناحية التقنية، فنستخدم نظاما قديما جدا، وحتى الأجهزة (الهاردوير) في حالة سيئة. لا أعلم إذا كان بإمكانهم الربط به، لأنني لست مطّلعا بشكل كافٍ على هذا الجانب، ولكن المجلس الأعلى يتابع الأمر. وبالنسبة إلى الموظفين، فهناك مجموعة ستخضع للتدريب في مجالي المراقبة والاستقبال، بالإضافة إلى مهام التدقيق وإعادة التنظيم».
ويتابع: «من الناحية التقنية، من الضروري اعتماد برامج حديثة لإدارة المخاطر، بدلا من الأنظمة الحالية التي لم تعد تواكب التحديات، علما أن هذه البرامج تُعتبر العنصر الأهم في عمل الجمارك، سواء وُجدت أجهزة سكانرز أم لا».
هبة بقيمة 2 مليون دولار
وفي سياق متصل، يوضح المصدر نفسه أنه «هناك مساعٍ لتحقيق ذلك، إذ لدينا هبة من البنك الدولي بقيمة مليونَي دولار مخصصة لتركيب مركز البيانات الجديد (داتا سنتر)، يُفترض أن تصل خلال فترة قصيرة. هذا المركز سيكون مرتبطا بأجهزة السكانرز، لأن هذه الأجهزة وحدها غير كافية. صحيح أنها تساعد في تحديد نوع المادة أو المنتج، وما إذا كان متجانسا أم لا، لكن لا يمكن الاعتماد عليها وحدها دون نظام متكامل لإدارة وتحليل المخاطر».
«السكانرز» فعّالة... ولكن!
وعليه، يرى المصدر أن «أجهزة السكانرز تسهم بشكل كبير في الحدّ من التهرّب الجمركي، وتسهل عمليات التفتيش إلى درجة تقلل من تهريب الممنوعات مثل الأسلحة والمخدرات بنسبة تصل إلى 90%. ومع ذلك، لا يمكن إنكار وجود احتمالات لتمرير بعض التهريبات التي قد لا تكشفها هذه الأجهزة الحديثة. وهنا تكمن أهمية تأمين وتنفيذ برنامج متكامل لإدارة المخاطر، يعمل على تعزيز قدرة الجمارك في كشف ومنع مثل هذه التجاوزات، بما يضمن حماية الاقتصاد والأمن الوطني على حد سواء».
الرقابة الفعّالة تبدأ بالعنصر البشري
بالإضافة إلى ذلك، يشدّد المصدر على أن «العنصر البشري يظل هو الأساس في عمليات التفتيش الجمركي. لا بد أن يكون هذا العنصر مفعّلا، منظّما، وموثوقا به، وأن يكون مدركا تماما لخطورة مهمته، مع تحمّل كامل للمسؤولية وعدم التهاون أو التجاهل في أداء واجباته. إذ إن أي نقصا في الوعي أو حالة من التهاون قد تؤدي إلى مشاكل أكبر تؤثر سلبا على فعالية الرقابة الجمركية. وعلى الرغم من أهمية الأجهزة الحديثة في تسهيل وتسريع عمليات التفتيش، إلّا أنها لا تغني عن الخبرة والالتزام المهني للموظفين، الذين يبقون خط الدفاع الأول في مكافحة التهريب وضمان تطبيق القوانين بدقّة».
تحذير من التواطؤ ودعوة للتشديد
وفي ختام حديثه، يؤكد المصدر أنه «هناك خشية من احتمال حدوث تواطؤ في عمليات التفتيش، وهو أمر يجب أن نأخذه على محمل الجدّ ولا يمكن تجاهله أو وضعه جانبا. ولهذا السبب، من الضروري تشديد إجراءات الرقابة والمراقبة بشكل مستمر ومتزايد، للحدّ من هذا الخطر قدر الإمكان، لأن ضمان نزاهة وشفافية العمل الجمركي يمثل ركيزة أساسية لحماية الاقتصاد الوطني والحفاظ على أمن البلاد»، مشددا على أن «تكامل الجهود بين العنصر البشري والتقنيات الحديثة هو السبيل الوحيد لتحقيق هذا الهدف».