اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١٦ أيار ٢٠٢٥
في قلب مسلسل «فهد البطل»، يقف محمود حمدان كمنظّر اجتماعي يعرض لنا الحقيقة المرّة حول العلاقة بين الانتقام والعدالة، وبين الألم الذي يصنعه العنف داخل الأسرة. وبدلاً من تقديم حلول جاهزة، يفتح المسلسل باباً للأسئلة المعقّدة حول كيف يمكن للبشر أن يواجهوا صراعاتهم الداخلية والخارجية، وأن يسلكوا طريقاً نحو المغفرة أو الانتقام. على الرغم من أن المسلسل يركّز على الألم العاطفي والنفسي، إلّا أنه يحمل في طياته دعوة واضحة للبحث عن العدالة بعيداً عن النزاعات الشخصية والتدمير الذاتي. رسالة قوية، تضع أمامنا اختياراتنا الأخلاقية في عالم مشبع بالخيبات. إذ يلتقي المشاهد مع معركة نفسية عميقة بين الأخوة، بين العائلة، وبين الحق والباطل. لا يعتمد المسلسل فقط على الإثارة البصرية أو الأحداث المليئة بالتشويق، بل يأخذنا في رحلة مؤلمة داخل أعماق النفس البشرية، حيث تتحارب مشاعر الحب والكره، وتتصادم رغبات الانتقام مع معاني العدالة. حتى لنتساءل من أين تولد هذه الحكايات؟ ومن الذي يملك القدرة على ترجمة الألم الإنساني إلى دراما تمسّ قلوبنا؟
وراء هذا العمل الدرامي المعقّد، استطاع المؤلف محمود حمدان، أن ينسج هذه الحكاية ببراعة، ويضع أمامنا أسئلة حقيقية عن مفهوم العدالة، ومسؤولية الإنسان تجاه عائلته ومجتمعه. في هذا الحوار، يكشف حمدان عن مصادر إلهامه، عن تطور الشخصيات، ورؤيته لفكرة العدالة في العالم الذي يتسم بالفوضى. يُعدّ محمود حمدان من أبرز كتّاب الدراما الشعبية في مصر، حيث استطاع أن يدمج الواقع الاجتماعي مع الأبعاد النفسية للشخصيات. يتميّز بقدرته على تقديم قصص معقّدة ذات أبعاد إنسانية، تطرح قضايا اجتماعية مهمة. من خلال أعماله، يسعى حمدان إلى تقديم دراما تلامس القلوب وتثير تساؤلات أخلاقية، فكل عمل يقدمه لا يقتصر على الترفيه بل يُثري الوعي الاجتماعي. ومع المؤلف الدرامي محمود حمدان أجريت هذا اللقاء.
{ ما الذي ألهمك لكتابة قصة «فهد البطل»؟
- كنت دائماً مهتماً بصراع الأخوة، الذي يعود إلى أقدم قصص البشرية: صراع قابيل وهابيل. من هنا جاء إلهامي لفكرة «فهد البطل». أردت أن أقدّم هذا الصراع الأزلي بين الأخوة بشكل معاصر يعكس التوترات الاجتماعية والأسرة المعاصرة في قالب درامي.
{ هل كان هناك حدث واقعي أو فكرة معيّنة دفعتك لابتكار هذه القصة؟
- نعم، بالتأكيد. هناك العديد من القصص التي تُروى عن التفكك العائلي، حيث تتساقط الروابط بسبب المال أو المشاعر السلبية أو الطمع. هذه القضايا معروفة في كل مجتمع، خاصة في ظل غياب العدالة الاجتماعية والترابط الأسري. كنت أرغب في تجسيد هذه المأساة العائلية على الشاشة.
{ هل ترى أن هذا الصراع العائلي يعكس واقعاً اجتماعياً حقيقياً؟ أم أنه مجرد خيال درامي؟
- أعتقد أن هذا الصراع ليس مجرد خيال، بل هو جزء من واقعنا المعاش. في كل بيت تقريباً هناك خلافات تُفكك الأسرة بسبب المصالح الشخصية أو الإخفاق في تحقيق العدالة. «فهد البطل» هو انعكاس لهذه الحقيقة، بشكل مكثف، يتناول الواقع الصعب في محاولة لفهمه.
{ هل شخصية فهد مستوحاة من نفسك، أو من أشخاص حقيقيين؟
- شخصية فهد لم تكن مستوحاة من شخص بعينه، لكنها نمت أثناء الكتابة. كما هو الحال في معظم شخصياتي، أبدأ برسم ملامح الشخصية، وأترك لها الحرية لتأخذ مسارها وفقاً للدوافع النفسية التي تحرّكها. فهد، في النهاية، هو نتاج تجارب البشر مع الظلم والانتقام، يمكن لأي شخص أن يجد جزءاً منه في هذه الشخصية.
{ كيف تجسّد التوترات النفسية في أفعال الشخصيات وحوارها؟
- التوترات النفسية تظهر في كل لحظة درامية. فكل شخصية تعيش صراعاً داخلياً مختلفاً، والذي يظهر من خلال كلامها وتصرفاتها. أنا لا أُجبر الشخصيات على أفعال معينة، بل أترك لكل واحدة منهم فرصة للتعبير عن نفسها بالطريقة التي تراها منطقية ومتناسبة مع واقعها النفسي.
{ هل كان هدفك تقديم صورة معقّدة لمفهوم العدالة في المسلسل؟
- نعم، كان لديّ هدف واضح وهو طرح سؤال كبير: هل الانتقام يحقق العدالة؟ فهد يظن أنه في سعيه للانتقام من عمّه سيجد الراحة، ولكن ما يجده في النهاية هو الخراب. حتى لو تحقق هدفه، فقد خسر كل شيء: أخته، حياته، والفرصة في إيجاد السلام الداخلي. أردت أن أقول إن الانتقام قد يكون أسوأ خيار، وأن العدالة قد تكون أكثر تحققاً عبر الطرق القانونية التي تضمن الحق دون أن تدمّر كل شيء.
{ هل تعتقد أن هذا النوع من الدراما يمكن أن يساهم في تغيير توجهات الجمهور تجاه المواضيع الاجتماعية والأسرية؟
- أنا أكتب ما أؤمن به. ولديّ رسائل أودّ إيصالها من خلال أعمالي. لو أثّرت في شخص واحد فقط، فهذا يكفي بالنسبة لي. في النهاية، الفن هو وسيلة للتسلية والتوجيه في آن واحد. وأنا أؤمن أن الجمهور يستطيع التفاعل مع ما يقدّم له إذا كان الموضوع يحمل قيمة حقيقية، وليس مجرد ترفيه بلا معنى.