اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ٣٠ أيار ٢٠٢٥
كتب أنطوان مراد في 'نداء الوطن':
يتصرّف 'حزب اللّه' أو يحاول التصرّف وكأنّ شيئاً خطيراً لم يكن، أو كأنّه خرج من معركة صغيرة وليس من حرب مدمّرة قضت على أبرز قياداته وعدد كبير من كوادره وعناصره، ودمّرت جزءاً كبيراً من ترسانته. ومن الواضح أنّ أقصى ما يهمّ 'حزب اللّه' حالياً هو ألّا يبدو ضعيفاً أمام بيئته، وأن يوحي لها دائماً بالثقة والقوّة، لأنّه في اللحظة التي تشعر فيها هذه البيئة بأنّ 'الحزب' بات أعجز من أن يحميها ويؤمّن لها الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة، فسيكون في مواجهة مفصل موجع يمثل بداية النهاية الفعلية.
لذلك يسعى 'الحزب' إلى الإيحاء لجمهوره بأنّ الأمور على ما يرام، وبأنه ينصرف إلى إعادة الأمور إلى نصابها، ولو أن البعض من هذه البيئة بدأ يشكّك في قدراته على النهوض مجدّداً، لكنّه يحرص على التعاطي مع هذا الواقع بهدوء وتحفّظ، صوناً لمعنويّات 'الحزب' ورفضاً في الوقت عينه للتسليم بالهزيمة. ويربط هؤلاء موقفهم بقناعة راسخة لديهم بأن 'حزب اللّه' جعل الشيعة في موقع الصدارة على الصعيد الوطني، وعوّض لهم مراحل طويلة من التاريخ المجحف بحقّهم، ولذلك من الصعب عليهم التخلّي عنه بسهولة.
أما في الواقع الميداني، فإن 'الحزب' يعمل بشكل حثيث لتجديد بنيته العسكرية والأمنية ضمن الإمكانات المتاحة له على صعيد الحركة والتنقّل وبناء المنشآت على قواعد مختلفة، أي بأحجام صغرى وبتحصينات أقوى وبسرية كبرى، فضلاً عن تغيير أماكن تخزين الأسلحة والذخائر على أنواعها.
وفي هذا الإطار، تمّ رصد أكثر من عملية نقل أسلحة وذخائر في مناطق عدة ولا سيّما في الضاحية وشمال الليطاني والبقاع، وأحياناً في عزّ النهار، من دون أن تحرّك القوى الأمنية ساكناً، على الرغم من سهولة مهمّتها بمصادرة تلك الكميّات خلال نقلها. وتشكّك مصادر أمنية بعدم معرفة إسرائيل بهذه الحركة، ربّما لأنها تستجمع الحيثيات والمعلومات تمهيداً لتوجيه ضربة أو ضربات كبيرة للـ 'حزب'، وهو في أي حال ما هدّدت به أكثر من مرّة أخيراً.
وفي الضاحية، تشير المعلومات إلى أعمال حفر ضخمة مستمرّة تحت الأرض في منطقة المريجة، لا سيّما في محيط المكان الذي اغتيل فيه السيد هاشم صفي الدين وصحبه، وذلك بالطول والعرض وعلى مساحة كبيرة، وسط طوق أمني دائم. وبحسب المعلومات، فإن 'حزب اللّه' جرف في بداية الأعمال مبنى بلدية المريجة من دون أيّ مسوّغ أو مبرّر منطقيّ بما يضمّه من مكاتب وتجهيزات ووثائق وأرشيف، من دون أن يسأل أحد لماذا وكيف ومن يعوّض!
أما في البقاع، فإنّ التحرّكات تتّخذ طابعاً أكثر جرأة، وبحسب المعلومات، فإنّه يتمّ اعتماد مخابئ على شكل مخازن صغيرة في الطبقات الدنيا لعدد من المباني أو تحت الأرض، فضلاً عن وجود مخابئ في بعض السفوح الشرقية للسلسلة الغربية وصولاً إلى محيط بعض البلدات الجردية الشيعية في جبل لبنان والتي لم تتعرّض أساساً لغارات جوية أو صاروخية إسرائيلية.
وعلى خط آخر، تحذّر أوساط دبلوماسية رفيعة من وجود نوايا إسرائيلية لتصعيد عملياتها بعد استكمال ما تقوم به من رصد على مختلف الصعد لتحرّكات 'حزب اللّه'، لا سيّما أن الأوساط تنقل معلومات توافرت لدى جهة أوروبية تفيد بأن إسرائيل تعتبر أنّ ثلث القوّة العسكرية الأساسية لـ 'حزب اللّه' على الأقلّ ما زالت موجودة في مناطق جنوب الليطاني، أي أكثر من نسبة 50 % من تقديرات رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام الذي اعتبر أن 80 % بالمئة من ترسانة 'الحزب' جنوب الليطاني قد أزيلت. وتلفت الأوساط إلى أن إسرائيل قد تلجأ إلى عمليات تختلف في جانب منها عن مجرّد غارات وقصف جوّي، علماً أنها كما يبدو زوّدت الأميركيين بخرائط وحيثيات ترتبط بانتشار 'حزب اللّه' ومواقعه ومراكزه وخطوط حركيته، مع الإشارة إلى أن ثمة تعاوناً أميركياً بريطانياً ملحوظاً يتولّى بدوره جمع المعطيات والمعلومات، لا سيّما من خلال القواعد ومراكز الرصد المشتركة في قبرص ودول أخرى في المحيط.
ومن هنا، تشكّل الزيارة العتيدة للموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس لبيروت محطة مفصلية، لإبلاغ الدولة اللبنانية حكماً وحكومة بملاحظات أميركية بين الصريحة والنافرة لجهة ضرورة الإسراع في تطبيق القرار 1701 لا سيّما في ما خصّ حصرية السلاح، مع التحذير من العواقب حيال أي تأخير لا يلتزم هامشاً زمنياً معيناً، علماً أن أورتاغوس كما يبدو تنتظر بلورة التوجّه الغالب في ما خصّ المفاوضات الأميركية الإيرانية والتي أياً كان مسارها، فإنّها ستسهم في رفع مستوى الضغط على 'حزب اللّه' للتماهي أكثر مع خطط الحكومة اللبنانية لحصر السلاح بمؤسّساتها الشرعية.