التفريط بالسيادة الوطنية ليس إنتصاراً !..

كتب غسان ريفي في 'سفير الشمال'

تنامي الحديث عن “لبنان الجديد” من قبل بعض التيارات السياسية والتهليل له، وكأن العلاقة والارتباط بالخضوع لأميركا وإسرائيل وبيع السيادة اللبنانية والكرامة الوطنية لهما هو إنتصار لبناني، أمر يجافي الواقع ويناقض تاريخ وطن الأرز الذي لطالما رفض الاملاءات وواجه العدوان وما زال قادرا على المواجهة.

لا أحد في لبنان يريد الحرب والدمار والموت، وكل شعب هذا الوطن الصغير مع ثقافة الحياة وهو جدير بها، لكن أن يكون الثمن السيادة اللبنانية بالكامل، فهذا يستدعي الصمود والمواجهة وفقا لمعايير العمل الوطني.

لا شك في أن عهد الرئيس جوزيف عون واقع بين نارين، نار حكومة نواف سلام التي تستسهل تقديم التنازلات وإنتفاض قسم من الداخل اللبناني عليها، ونار السقف العالي للشروط الاسرائيلية التي تريد تجريد لبنان من قوته قبل أن تفكر في إمكانية تقليص وجودها في الجنوب، ما يضرب الورقة الأميركية وبنودها بعرض الحائط.

وما يزيد الطين بلة هو أن هذه الحكومة تتخذ قرارات يمكن في كل يوم أن تتسبب بفتنة قد تؤدي الى حرب أهلية في البلاد، وهذا الخطر ليس بعيدا، والاستمرار في هذه السياسات الحكومية سيدفع بهذا الاتجاه بالرغم من كل التطمينات الداخلية والخارجية.

أن تقول لحزب الله قدم بعض التنازلات شيء، وأن تقول له تعال لنفكك قدراتك وننزع سلاحك وكل مقومات القوة لديك في ظل الاحتلال الاسرائيلي وإستمرار الاعتداءات شيء آخر، فالحزب الذي قدم الكثير من التضحيات ما زال يمتلك القوة السياسية والشعبية والعسكرية، لا يمكن أن يعيش نكران الذات الى حدود تقديم نفسه “لقمة سائغة” للأميركي والصهيوني بقرار حكومي لبناني.

هذا الطرح ليس طرحا عدائيا للحكومة، ولكن اللافت أن الحكومة تجيد الى درجة عالية إستعداء الناس من رئيسها نواف سلام الذي يكرر معزوفة “حصرية السلاح بيد الدولة وإستعادة قرار الحرب والسلم”، متجاهلا بشكل كلي تهديدات العدو الاسرائيلي وضربه كل الالتزامات التي وردت في إتفاق وقف إطلاق النار، الى وزير خارجيتها يوسف رجي المتعايش مع العدوان الاسرائيلي والراضخ لكل كلمة أو همسة أميركية، فضلا عن أن الحكومة مجتمعة وبدل أن تلتفت الى تنفيذ ما إلتزمت به على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، ذهبت سريعا بإتجاه سياسة التنازلات لتقديم أوراق إعتمادها للأميركي، ولا شك في أن التجربة الأميركية لا يمكن الرهان عليها، والأمثلة على ذلك كثيرة من فيتنام الى أفغانستان الى العراق وغيرها، علما أن القرار الوطني والسيادة اللبنانية والمقاومة بمختلف فصائلها وكل من يواجه الغطرسة الاسرائيلية ليسوا بهذا الرخص الذي تريد الحكومة أن تبيعهم مجتمعين الى الأميركي تنفيذا للأجندة التي جاءت من أجل تنفيذها.

وفي هذا الاطار، تؤكد مصادر سياسية مواكبة أن “الشطارة في العمل السياسي والدبلوماسي هو أن تحاول أن تنتزع ثمنا لما تقدمه، واللافت أن الحكومة السلامية تسعى الى تقديم المزيد من التنازلات وصولا الى صمتها المطبق عن المنطقة العازلة التي تهجر مواطنين لبنانيين من 14 قرية وبلدة جنوبية، فهل هكذا يدار العمل السياسي؟، وهل هكذا تصان السيادة؟، وهل هكذا يتحقق خطاب القسم؟ وهل هكذا يكون الارتباط بالأرض؟”.

كل هذه الهرولة الحكومية لإرضاء الأميركي دفعت توم باراك الذي يلبس لباس المندوب السامي الى التخلي عن أدنى شروط الاحترام، في أن يصف سلوك الصحافيين بالحيواني، والى أن تتخلى مورغان أورتاغوس عن مهامها لتتفرغ لجمالها وتسريحات شعرها ولهدايا عيد ميلادها، ما يشير الى حجم الاستخفاف الأميركي بلبنان وشعبه وصحافييه وسيادته وإستقلاله وسلامة أراضي، ويؤكد بالتالي أن البعض ليس لديه أي مشكلة في أن يتعرى من ثيابه وأن يقف عاريا ذليلا بإنتظار الرضى الأميركي.