اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١٢ أيار ٢٠٢٥
بينما ننشغل بنشرات الطقس اليومية، يحدث الانهيار الكبير بصمت. المدن التي شيّدتها الحضارة خلال قرون، قد لا تصمد لعقود إضافية. تغيّر المناخ لم يعد تحذيراً بيئيّاً عابراً أو ترفاً للنقاش العلمي، بل تحوّل إلى عدّاد زمني يعمل بلا رحمة. عدّ تنازلي لعالم مأهول بمليارات البشر، ومدنٍ تنهار تحت ثقل الحرارة، الغرق، والعطش.
تشير تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC) إلى أن أكثر من مليار إنسان سيكونون عرضة لمخاطر مناخية حادّة بحلول عام 2050، من بينها ارتفاع منسوب البحار، موجات حر قاتلة، وانعدام الأمن المائي والغذائي. المدن الكبرى في العالم، من نيويورك إلى جاكرتا، مروراً بالقاهرة وبغداد، تقف اليوم على حافة التهديد.
حرارة قاتلة... بلا رصاص
في بعض المناطق، لم تعد الحرارة مجرد طقس سيّئ، بل سلاح فتّاك. دراسة حديثة نشرتها جامعة 'هارفرد' بيّنت أن بعض المدن الخليجية، مثل الكويت والرياض، ستشهد صيفاً قد يتجاوز قدرة الإنسان البيولوجية على التحمّل من دون تكييف. هذه ليست مجرد 'أيام حارة'، بل موجات حرّ قد تودي بالحياة. أما في مدن حوض المتوسط، من بيروت إلى الجزائر، فستمتدّ فصول الصيف لأشهر إضافية، وتتآكل معها الطاقة الإنتاجية والموارد.
مدن تغرق... لا تهتز
لم يعد السؤال ما إذا كانت المدن الساحلية مهددة، بل متى ستبدأ المياه بابتلاعها. الإسكندرية، البصرة، ميامي، وجاكرتا كلها على اللائحة. كل ما يلزم هو ارتفاع منسوب البحر بمترٍ واحد فقط، ليبدأ الزحف المائي الذي لا توقفه حدود ولا جدران إسمنتية. حتى المدن الأكثر تحصيناً ستجد نفسها تعيد رسم خرائطها الحضرية أو تبدأ عملية نزوح سكانية نحو الداخل.
التغيّر السكاني: من يسكن... ومن يرحل؟
بحلول منتصف القرن، يُتوقّع أن يهاجر أكثر من 200 مليون شخص حول العالم لأسباب مناخية فقط. الجفاف، نقص المياه، فقدان الأراضي الصالحة للزراعة، وتآكل الشواطئ ستكون كلها المحرّك الجديد للنزوح القسري. السؤال المطروح الآن أمام الدول: كيف ستواجهون موجات اللاجئين المناخيين؟ ليس من سوريا أو أفغانستان، بل من مدن اختنقت في أوطانها.
وبينما تتهاوى بعض المدن تحت الضغط، بدأت أخرى رسم خطط النجاة. كوبنهاغن تعمل على أن تصبح أول عاصمة 'صفر كربون' في العالم. أمستردام تختبر الهندسة المائية لبناء أحياء عائمة. سنغافورة تستثمر في الزراعة العمودية لتأمين غذائها فوق الأبنية لا تحت التربة. العالم الذكي لا ينتظر الكارثة... بل يُعيد تصميم الحياة.
العالم العربي: الغائب الأكبر
وسط هذا الزلزال المناخي، يغيب معظم العالم العربي عن المواجهة. لا توجد استراتيجيات واضحة للتكيّف، لا خطط لإدارة الموارد، لا بنى تحتية مقاومة للحرارة، ولا قوانين للبناء المستدام. مدنٌ مثل بيروت، بغداد، عدن، طرابلس، والخرطوم تُترك لمصيرها في مواجهة الجفاف والتلوّث والانهيار، فيما تُغرقها الحسابات السياسية والفساد والتكذيب الممنهج.
المخيف في الأمر أن التغيّر المناخي لا يضرب كالصواعق، بل يتسلل بصمت، والسؤال اليوم لم يعد إن كنا سنُغيّر نمط حياتنا أم لا، بل هل سنتصرّف الآن، أم ننتظر اللحظة التي نضطر فيها للهروب؟