اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ٢٢ أذار ٢٠٢٥
في 11 تشرين الثاني 2024، وخلال مؤتمر صحافي في مجمع سيد الشهداء في الرويس، بمناسبة يوم الشهيد، شدد مسؤول العلاقات الإعلامية الراحل في «حزب الله» محمد عفيف النابلسي على «أن 'حزب الله' أمة والأمم لا تموت»، كما أُطلق لقب «سيد شهداء الأمة» على الأمين العام السابق السيد حسن نصرالله خلال تشييعه في 23 شباط 2025.
سردية «الأمة» عند «حزب الله»
أعاد استعمال مصطلح «الأمة» عند «حزب الله» الذاكرة إلى شباط 1985، وإلى الدعوة العامة التي وجهها لحضور الذكرى السنوية الأولى لاغتيال «الشهيد السعيد» الشيخ راغب حرب في 16 شباط 1985 في حسينية الشياح، والتي أطلق بها رسالته المفتوحة إلى المستضعفين في لبنان والعالم، والتي ذيِّلت بتوقيع «أمة حزب الله». وكما وعد في دعوته، شرح «حزب الله» في رسالته ما هو، وماذا يريد، ومن أين ينطلق، وكيف يواجه، والفكر والموقف والممارسة.
وما ورد في هذه الرسالة: «إننا أبناء أمة 'حزب الله' التي نصر الله طليعتها في إيران وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم... نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسد حاضراً بالإمام «المسدَد» آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظله مفجّر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة.
وعلى هذا الأساس، نحن في لبنان لسنا حزباً تنظيمياً مغلقاً، ولسنا إطاراً سياسياً ضيقاً... بل نحن أمة ترتبط مع المسلمين في كافة أنحاء العالم برباط عقائدي وسياسي متين هو الإسلام [...] ومن هنا ما يصيب المسلمين في أفغانستان أو العراق أو الفيليبين أو غيرها إنما يصيب جسم أمتنا الإسلامية ونحن جزء لا يتجزأ منها، ونتحرك لمواجهته انطلاقاً من واجب شرعي أساساً وفي ضوء تصور سياسي عام تقرره ولاية الفقيه القائد.
أما ثقافتنا فمنابعها الأساسية، القرآن الكريم والسنة المعصومة والأحكام والفتاوى الصادرة عن الفقيه مرجع التقليد عندنا [...] أما قدرتنا العسكرية فلا يتخيّلن أحد حجمها، إذ ليس لدينا جهاز عسكري منفصل عن بقية أطراف جسمنا، [...] وكل واحد منا يتولى مهمته في المعركة وفقاً لتكليفه الشرعي في إطار العمل بولاية الفقيه القائد».
«حزب الله» من النشأة إلى الإشهار
ترافق هذا الإشهار لأمة «حزب الله» مع بدء قوات الاحتلال الإسرائيلي الانسحاب إلى الشريط الحدودي بعد غزو عام 1982، لكن بداية العمل على النشأة بدأ قبل سنوات، فبحسب كتاب «تاريخ شيعة لبنان» الصادر عن «أمم للتوثيق والأبحاث» في جزئه الثاني، برزت الإيديولوجيا الدينية لـ «حزب الله» عام 1978 على يد مجموعة من رجال الدين وكوادر شيعية كحركة إسلامية بخلفية إيديولوجية إيرانية قائمة على ولاية الفقيه، وكان من أبرز رموز تلك المجموعة السيد عباس الموسوي الأمين العام الثاني لـ «حزب الله»، والذي كان قد عاد من النجف إلى بعلبك وأنشأ فيها حوزة دينية وبدأ الدعوة في البقاع. تزامن ذلك مع وصول رجال دين وعسكريين إيرانيين بدعم من السيد روح الله الخميني المنفي إلى فرنسا في ذلك الوقت، فأقاموا مراكز تدريب دينية وعسكرية. ومع انتصار الثورة الإسلامية في إيران في شباط 1979 ووصول طلائع المجاهدين الإيرانيين مطلع عام 1980، ترسخ هذا التوجه، وكان أول ظهور جماهيري علني لمسمى «حزب الله» في لبنان من خلال تظاهرات مؤيدة لقائد الثورة في إيران الخميني ضد رئيس الجمهورية الإيرانية آنذاك أبو الحسن بني صدر، وأطلقت على نفسها تسمية «حزب الله»، انسجاماً مع شعار الثورة الإيرانية في ذلك الحين المنادي بـ «أمة حزب الله» الجامع لكل قوى الثورة داخل إيران وخارجها، وأوفد الخميني الشيخ موسى فخر الروحاني سفيراً للجمهورية الإسلامية في لبنان، الذي ساعد في عملية استقطاب الشباب الشيعي المتحمس وربط السياسة العامة للطائفة الشيعية بخط التوجهات الإيراني، وشجعت القيادة الإيرانية الكوادر الإسلامية ولا سيما كوادر حزب الدعوة على الدخول في حركة 'أمل'، ليطغى النفس الديني المؤيد للمشروع الإيراني في الحركة، إلى أن شارك رئيس الحركة نبيه بري في هيئة الإنقاذ الوطني الذي شكلها الرئيس الياس سركيس في حزيران 1982، وعارضتها طهران بشدة، فحدثت الانشقاقات داخل الحركة في الجنوب والبقاع من الذين يلتزمون بولاية الفقيه وعالمية الثورة الإسلامية الإيرانية، فتم تكوين «مجلس لبنان» للإشراف على التأسيس وبدأت نواة «حزب الله» بالظهور، إلى أن تم إعلان الرسالة المفتوحة ومن ثم تشكيل مجلس شورى لبنان في أيار 1986.
بين الثورة والمقاومة ريادة وهيمنة
تظهرت تلك الأمة في البيئة والمجتمع الشيعي اللبناني تحت شعار الثورة الإسلامية في لبنان 'ضد الاستكبار الأميركي والسوفياتي والإسرائيلي' و«النظام اللبناني الظالم والمستبد'، فمارست ثورتها بأشكالها المدنية والعسكرية بمواجهة من اتهمتهم بالاستكبار والكفر. وبعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني في الطائف في 22 تشرين الأول 1989، وصدور دستور الجمهورية الثاني في 21 أيلول 1990 وتوقيع اتفاق وقف القتال بين حركة 'أمل' و'حزب الله' في تشرين الثاني 1990، دخل لبنان في حقبة الهيمنة السورية، فاستغنى 'حزب الله' عن شعار الثورة واستبدله بشعار المقاومة، وبدأ بتفعيل الواقع الديني والاجتماعي والتربوي والاقتصادي والتنموي والثقافي لأمته، من خلال المؤسسات المتخصصة التي كانت قد أنشئت تحت مسميات وإدارة إيرانية ومن ثم تحولت إلى جمعيات لبنانية ومسجلة وفق الأصول في الدولة اللبنانية، ومع مرور أكثر من أربعين عاماً على التأسيس والإشهار تغلغلت أمة 'حزب الله' في النسيج الشيعي اللبناني، واستحوذت على الريادة الشعبية في الطائفة، وتمكنت من القرار السياسي الشيعي وهيمنت على القرار اللبناني العام.
بين الدويلة والأمة
لا يصح تسمية «الدويلة» على كينونة «حزب الله»، فمنذ البداية كان هناك وضوح في رؤيتهم ومنهجهم، فهم أبناء الأمة التي أسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم في إيران، ومن هنا كان «نضالهم وجهادهم» في لبنان ليصبح جزءاً من هذه الدولة، لا أن ينشئوا إطاراً مستقلاً فيه، فتعارضت توجهات هذه الأمة بطبيعة الحال مع دولة ودستور «الأمة اللبنانية» وتناقضت مع طبيعة الكيان اللبناني، فمارست التعطيل والفرض والهيمنة مع حلفائها دون أن تستطيع تغيير المعادلات والتوازنات.
في تشييع السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، أعلن الأمين العام لـ 'حزب الله' الشيخ نعيم قاسم الالتزام الواضح بالدستور والطائف ونهائية الكيان اللبناني، فهل كان هذا الخطاب إعلان لأبناء «أمة حزب الله» بالتخلي عن مشروعهم والالتزام بلبنان كوطن نهائي لهم؟... من هنا يبدأ الكلام.
الصفحة الأولى من رسالته المفتوحة من جريدة العهد