اخبار لبنان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٦ أيلول ٢٠٢٥
الأهالي عالقون بين إدارات متسلطة ووزارة غائبة
في لبنان، يأتي شهر سبتمبر (أيلول) مثقلاً بالديون والهموم، كابوس متجدد يحاصر الأهل: أقساط مدرسية تتضاعف، مدارس تمارس سياسة الأمر الواقع، وزارة غائبة أو صامتة أو غير قادرة. في بلد يفاخر بتاريخه التعليمي، صار التعليم عبئاً لا يُحتمل، وميدان مواجهة بين الأهل وإدارات المدارس والمعلمين والدولة.
'أدفع أكثر من خمسة آلاف دولار ولا أعرف أين تذهب الأموال'، قال أحد أولياء الأمور بمرارة قبل أن يضيف 'ابني لا يزال ضعيفاً ويحتاج إلى ساعات إضافية خارج المدرسة لكي يصبح أقوى، ما يحمّلني أعباء مالية إضافية فوق القسط الأساسي'. أما والدة تلميذة في مدرسة خاصة كبيرة فتقول 'للمرة الأولى أفكّر في نقل ابنتي إلى مدرسة رسمية، فالقسط تجاوز سبعة آلاف دولار والخدمات تتراجع عاماً بعد عام'.
وبين هذه الأصوات، يبقى صدى الهاتف في وزارة التربية بلا جواب.
في السياق، أكد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض أن 'الارتفاع الكبير في الأقساط المدرسية لم ينعكس بشكل فعلي على رواتب المعلمين'، مشيراً إلى أن 'أكثر من 70 في المئة من المدارس الخاصة رفعت أقساطها بشكل يفوق ما كان عليه الوضع قبل الأزمة، فيما بقيت رواتب الأساتذة دون 50 في المئة من قيمتها الحقيقية'.
وقال محفوض 'هذه المدارس تتحجج بأنها تريد زيادة رواتب المعلمين، لكنها في الواقع ترفع الأقساط على الأهالي من دون أن يستفيد منها الأساتذة. هنا دور لجان الأهل، إذ يفترض أن تسأل الإدارة: إذا كان القسط بين ثلاثة وخمسة آلاف دولار، أين تذهب هذه الأموال؟ وأين الموازنة؟ وهل الزيادة تصب في رواتب المعلمين؟'. وأضاف 'اليوم يتهمون النقابة بأنها تنحاز للمعلمين. هذا هو دورنا الفعلي: الدفاع عن المعلمين وتحسين رواتبهم وحماية المهنة والمستوى التربوي والشهادة اللبنانية. نحن لا نقبل أن يُستخدم اسم المعلمين ذريعة لرفع الأقساط. مهمتنا أن نوضح، في وقت يبقى الدور الأساس على الأهالي الذين يشتكون في منازلهم بدل أن ينتخبوا لجان أهل فاعلة تنقل صوتهم ووجعهم'.
التقارير التربوية، خلال السنوات الأخيرة، أكدت أن هجرة الكفاءات من قطاع التعليم باتت خطراً وجودياً على المدرسة اللبنانية. هجرة المئات من الأساتذة ذوي الاختصاصات الدقيقة نحو الخليج العربي وأوروبا وأفريقيا، تركت فراغاً يصعب ملؤه في الصفوف. هذا الواقع لا يهدد فقط جودة التعليم، بل يضع مستقبل الشهادة اللبنانية على المحك. الأهل أنفسهم بدأوا يلمسون أن أبناءهم لا يتلقون المنهاج كاملاً، وأن مستوى التحصيل يتراجع بشكل متسارع. بناء عليه، أشار محفوض إلى أن 'هذه الأزمة دفعت أكثر من 25 في المئة من أكفأ الأساتذة إلى ترك المهنة، ما ينعكس مباشرة على المستوى التربوي للطلاب. الأهالي لا مصلحة لهم بخروج الأساتذة الأكفاء من التعليم، بل مصلحتهم أن يبقوا في المهنة ليؤمنوا تعليماً جيداً لأولادهم. ولتحقيق ذلك، يحتاج الأساتذة إلى رواتب لائقة. فالمعلم الذي يحمل إجازة أو ماجستير في الرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء، هو أيضاً مربٍّ وخبير تواصل وعلم نفس، يواجه يومياً 25 حالة مختلفة لا 25 طالباً فقط. من غير المقبول أن يتقاضى مثل هذا الأستاذ 700 أو 800 دولار شهرياً'.
وسط هذه الفوضى، ربط نقيب المعلمين بين تدني الرواتب وتقلص أيام التعليم من جهة، والتوترات الأمنية من جهة أخرى، ليطرح هواجس إضافية حول مصير العام الدراسي. وقال 'نأمل أن يكون العام الدراسي الحالي طبيعياً على صعيدين: أولاً، أن تعود المدارس الرسمية إلى التعليم خمسة أيام في الأسبوع أسوة بالمدارس الخاصة، بدل أربعة أيام (قرار وزارة التربية) بسبب تدني الرواتب. وثانياً، ألا ينعكس الوضع الأمني على العام الدراسي، خصوصاً بعد التطورات التي شهدها الجنوب أخيراً'، آملا أن 'نتمكن من تعليم المنهاج كاملاً، بعدما اقتصر التعليم طوال ست أو سبع سنوات على ربع المنهاج أو ثلثه، فالطلاب لم يتعلموا فعلياً سوى سنتين كاملتين خلال هذه الفترة، ما يضعف مستواهم، خصوصاً عند إجراء الشهادة الرسمية التي يجب أن تكون على أساس منهاج كامل لا ربع منهاج'. وحذّر محفوض من أن 'ضعف المناهج يضع الطلاب اللبنانيين في مواجهة مشاكل عند السفر إلى الخارج، إذ كثيراً ما تُفرض عليهم سنة تحضيرية قبل الدخول إلى الجامعات. لذلك من الضروري أن نستعيد انتظام التعليم'. وختم قائلاً 'رسالتي إلى الأهالي أن ينتخبوا لجان أهل فاعلة توصل صوتهم ووجعهم، وألا يسمحوا لأحد أن يتاجر باسم المعلمين. عليهم أن يسألوا أين تذهب الأموال التي يدفعونها، وأن يتأكدوا من أن زيادات الأقساط لا تضيع من دون أن يستفيد منها المعلمون والطلاب على حد سواء'.
بعد صرخات المعلمين، جاء صوت الأهالي أكثر حدّة هذه المرة، عبر اتحاد لجان الأهل الذي يقود مواجهة مفتوحة مع إدارات المدارس.
وشددت رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة لما الطويل على أن 'الأزمة التربوية بلغت مستويات غير مسبوقة مع الارتفاع الكبير في الأقساط وغياب الرقابة'، معتبرة أن صوت الأهالي هذه المرة كان أقوى من أي وقت مضى، وقالت الطويل 'شهدنا هذا العام ارتفاعاً جنونياً في الأقساط وصرخة كبيرة من الأهل، إذ إنها المرة الأولى التي نشهد فيها اعتراضات بهذا الحجم عبر شكاوى وعرائض إلى مصلحة التعليم الخاص أو إلى القضاء المستعجل، في ظل غياب القضاء التربوي. ما دفعنا إلى التوجه نحو رئيس الجمهورية (جوزاف عون) بعدما كنا قد قدّمنا مطالبنا إلى وزيرة التربية (ريما كرامي) منذ فبراير (شباط)'.
أضافت 'لقد تعاونا مع مصلحة التعليم الخاص برئاسة عماد الأشقر، وأجرينا دراسة استناداً إلى موازنات عام 2019. تبيّن أنه حتى مع دفع كامل رواتب الأساتذة وصندوق التعويضات والضمان، فإن الزيادة المنطقية لا تتجاوز 136 إلى 150 دولاراً. ومع ذلك، فرضت المدارس زيادات وصلت إلى 400 أو 500 دولار في بعض الأطراف، وارتفعت إلى ما بين 500 و1200 دولار في المدارس الوسطية، وتخطت 2000 دولار في مدارس مصنفة فئة أولى'. وتابعت 'تحديد الأقساط مع نهاية العام الدراسي غير قانوني، لأن الموازنة يجب أن تدرس في بدايته. إدارات المدارس تعتمد منذ سنوات سياسة التهويل على الأهل، وتقول من يقبل فليدفع ومن يرفض فليرحل، من دون أي رقابة. لذلك لجأنا إلى الرئيس (عون) بعدما قدّمنا الحلول للوزارة. والحلول موجودة إذا توفرت النية لضبط القطاع'.
وأشارت الطويل إلى أن 'المشكلة الأولى هي تشكيل المجالس التحكيمية التربوية، أي القضاء التربوي، ما يتطلب تسمية أعضاء من وزير العدل ووزيرة التربية ورفعها إلى رئيس الحكومة. يمكن إنجاز ذلك خلال أسبوع واحد إذا ابتعدت المحاصصة السياسية. المشكلة الثانية هي غياب التدقيق الفعلي، إذ يشرف موظفون قلائل على 2000 مدرسة، لذلك طالبنا بانتداب موظفين جدد. وقد صدر تعميم يلزم المدارس بموازنة إلكترونية وإلغاء أي مبالغ خارجها، ما يعرف بالصندوق الأسود، أما الحل الثالث فهو تعديل القانون 515 الذي أنجز في اللجنة الفرعية وأحيل إلى لجنة التربية بانتظار الهيئة العامة'. وشددت على أن 'هذه الحلول مطروحة منذ سنوات، لكننا راهنا على عهد الإصلاح والتغيير. واليوم، بعد تصريح الوزيرة بأن القضاء التربوي والمجالس التحكيمية ستبصر النور، ننتظر أن نرى إذا كانت لجنة التربية ستحيل القانون إلى الهيئة العامة، وإذا كانت الكتل النيابية ستتحمل مسؤولياتها'. وختمت الطويل 'مع بداية أكتوبر (تشرين الأول)، هناك أيضاً واجبات على الأهالي بانتخابات لجان الأهل، عليهم أن يترشحوا ويشاركوا، فهذا لا يتطلب سوى نصف ساعة كل ثلاث سنوات. وفي حال غياب اللجان أو عرقلة الانتخابات، يجب إبلاغ الاتحاد ومصلحة التعليم الخاص. كما نؤكد أن القانون يعطي لجنة الأهل الحق بدراسة الموازنة ورفض أي زيادات قبل إقرارها. على الأهالي أن يتجاوزوا الخوف المزروع في النفوس، وأن يمارسوا دورهم في المحاسبة'.