اخبار لبنان
موقع كل يوم -هنا لبنان
نشر بتاريخ: ١٥ أيار ٢٠٢٥
قلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الطاولة مجدداً على صانعي السياسات التقليدية، بإعلانه من قطر اليوم أنه يقترب من 'اتفاق كبير' مع إيران، ومن السعودية الثلاثاء الماضي مفاجأته الكبرى: رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا.
خطاب تصالحي… مع تحفظات
من الدوحة، حاول ترامب إعادة صياغة العلاقة مع إيران، إذ صرّح بأن المفاوضات معها 'جادة للغاية' وأن إدارته تفضل السلم على الصدام، مؤكداً أن الاتفاق المرتقب سيكون 'طويل الأمد' ويهدف إلى استقرار المنطقة. اللافت في كلامه لم يكن فقط نبرة التهدئة، بل تأكيده على أنه 'يريد لإيران أن تزدهر' طالما أنها تبتعد عن تطوير السلاح النووي.
وبينما كانت وسائل الإعلام منشغلة بتفسير تحول نبرة الرئيس تجاه طهران، كان ترامب يشد الرحال إلى أبو ظبي، حيث أثنى على القيادة الإماراتية واصفاً إياها بأنها 'عظيمة'.
رسائل بالجملة… من على منصة الرياض
لكن المشهد لم يكتمل إلا في الرياض، حيث خاطب ترامب العالم من منتدى الاستثمار الدولي، معلناً ما لم يتوقعه حتى أقرب مستشاريه: رفع العقوبات الأميركية عن سوريا. القرار الذي وصفه مسؤول أميركي بأنه 'مفاجئ وصادم'، لم يكن ضمن أجندة الإدارة المعلنة، ولم يسبقه أي توجيه رسمي إلى وزارات الخارجية والخزانة. أربعة مسؤولين تحدثوا لوكالة 'رويترز'، أكدوا أن البيت الأبيض لم يصدر أي مذكرات تمهيدية أو تعليمات داخلية، ما جعل الإدارات المعنية في حالة ارتباك تام.
واشنطن في حالة إرباك
على الصعيد الداخلي، كشف تقرير 'رويترز' عن حالة من الفوضى في الوزارات الأميركية المعنية، حيث لم يكن أي من الموظفين على علم بالقرار مسبقاً، رغم أن العقوبات المفروضة على سوريا تعود إلى أكثر من 40 عاماً. وذكر المسؤول الكبير لـ'رويترز'، أنه وحتى الوقت الذي التقى فيه ترامب الرئيسَ السوري أحمد الشرع في السعودية يوم الأربعاء، كان المسؤولون في الخارجية والخزانة لا يزالون غير متأكدين من كيفية المضي قدماً. وقال أحد المسؤولين الأميركيين 'يحاول الجميع استكشاف كيفية تنفيذ ذلك'، في إشارة لإعلان ترامب.
وأشار التقرير إلى أن ملفات العقوبات التي أُعدّت مسبقاً في حال قررت الإدارة رفعها، كانت مجرد ملاحظات نظرية غير قابلة للتطبيق العملي بسرعة، وهو ما يعني أن تنفيذ القرار سيستغرق شهوراً، وربما سنوات.
لقاء الشرع… وإعادة صياغة السرديّة السورية
الخطوة جاءت عقب لقاء جمع ترامب بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، الذي تولّى منصبه بعد الإطاحة ببشار الأسد في نهاية العام الماضي. الشرع خاض تحولات جذرية في خطابه السياسي مؤخراً. تم اللقاء بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومشاركة عن بعد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكأنهم كفلاء إقليميون لمسار جديد في الملف السوري.
سوريا الجديدة؟
الشرع، الذي بدا وكأنه يغيّر جلده السياسي بالكامل، يحاول من خلال هذا المسار الجديد ضمان دعم دولي لبقائه في السلطة. لكن يبقى التحدي الأكبر داخلياً، إذ يتعين عليه إقناع الفصائل المتحالفة معه بجدوى هذا التحول، في وقت لا تزال فيه بنية الحكم غير مستقرة، والمجتمع الدولي يراقب خطواته بحذر.
إحدى القضايا العالقة تبقى ملف المقاتلين الأجانب، الذي يمكن أن يتحول إلى قنبلة موقوتة، خصوصاً أن بعض هؤلاء تلقوا عرضاً بالجنسية السورية، في محاولة لدمجهم داخل النظام الجديد، لكن أهدافهم العقائدية تتجاوز حدود الأوراق الرسمية. في هذا السياق، يبقى تنظيم 'داعش' حاضراً كملاذ بديل لمن يرفضون التسوية الجديدة.
أوكرانيا وروسيا تدخلان المشهد
من بوابة الشرق الأوسط، لم ينسَ ترامب أن يربط الملفات ببعضها، فقد أعلن أيضاً عن استعداده للمشاركة في محادثات السلام الروسية-الأوكرانية المقررة في إسطنبول، مشيراً إلى إمكانية توجهه إلى تركيا اليوم 'إذا كان الأمر مناسباً' ليعود ويرسل وفدًا ممثّلًا عنه.
طائرات مسيّرة… وسوق جديد
وسط كل هذا، لم يغفل ترامب الجانب التكنولوجي، إذ أعلن عن مشروع جديد لإنتاج 'طائرات مسيّرة منخفضة الكلفة'، في خطوة تعكس رغبة في إعادة تموضع صناعي لأميركا في سوق السلاح الذكي، ربما يكون مخصصاً لحلفاء جدد في الشرق الأوسط.
تصريحات ترامب من الخليج تحمل في طياتها ما هو أبعد من رسائل آنية. إنها محاولة لإعادة تشكيل خريطة النفوذ الأميركي في المنطقة، لكن بأسلوبه الخاص: خطوات مفاجئة، إعلانات بلا تحضيرات، وتحالفات مرنة قائمة على مبدأ 'من معنا فهو شريك المستقبل'. وبين إيران، وسوريا، وأوكرانيا، يبدو أن ترامب يخوض حملة دبلوماسية بأدوات تجارية، مؤسّساً لولايته الجديدة… برسم دور الولايات المتحدة في العالم، على طريقته.