اخبار لبنان
موقع كل يوم -الكتائب
نشر بتاريخ: ٤ أيار ٢٠٢٥
في مشهد غير مألوف في الخطاب الرسمي اللبناني، جاء تحذير المجلس الأعلى للدفاع لحركة 'حماس' صريحا ومباشرا، كجزء من توصية أمنية ـ سياسية تم توجيهها إلى مجلس الوزراء. هذه اللغة الحاسمة غير مسبوقة في تعاطي الدولة اللبنانية مع الفصائل الفلسطينية، وتحديدا 'حماس'، منذ توقيع اتفاق الطائف في عام 1989 وصدور القرار 1701 في عام 2006 الذي نظم التهدئة في الجنوب بعد حرب استمرت 33 يوما.
وقال مصدر ديبلوماسي غربي في بيروت لـ 'الأنباء': 'هذا التحول جاء من أعلى هيئة تنسيقية أمنية في الدولة، برئاسة رئيس الجمهورية وحضور رئيس الحكومة ورؤساء الأجهزة والوزراء السياديين. وتتجاوز دلالاته البعد التكتيكي لتعكس تغيرا في المقاربة اللبنانية تجاه العلاقات بين الداخل والخارج، وبين السيادة اللبنانية وحق المقاومة، وبين التوازنات المحلية والمقتضيات الإقليمية'.
وأضاف المصدر: 'يتضح من البيان أن المجلس الأعلى للدفاع لم يكتف بالتنديد بإطلاق الصواريخ، بل أرفق ذلك بتسمية صريحة لـ'حماس' وتوجيه تحذير مباشر لها، مقرون بتهديد باتخاذ أقصى الإجراءات لوقف أي انتهاك للسيادة. وهنا يمكن الإشارة إلى ثلاث نقاط رئيسية:
٭ أولا، الرسالة الموجهة إلى حركة 'حماس' كانت مزدوجة، من جهة، تحذير داخلي من مغبة توريط لبنان في صراع لا يملك أدواته ولا يتحمل تبعاته. ومن جهة أخرى، رسالة إلى المجتمع الدولي، وتحديدا إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية والخليجية، بأن الدولة اللبنانية جادة في بسط سلطتها ومنع استخدام أراضيها لعمليات عسكرية خارج إرادتها.
٭ ثانيا، أكد البيان على المرجعيات الدستورية والسياسية، واستند الخطاب إلى وثيقة الوفاق الوطني، خطاب القسم، والبيان الوزاري، ما يعزز شرعية التحرك الرسمي ويبعده عن الحسابات الفئوية أو الطائفية. كما تم للمرة الأولى ربط 'السلاح غير الشرعي' بـ 'حماس' في سياق يستدعي التنفيذ الفعلي للفقرة المتكررة في بيانات الحكومة عن حصرية السلاح بيد الدولة.
٭ ثالثا، وفي السياق الإقليمي، فإن هذا البيان يأتي في ظل تصاعد التوتر على خلفية الحرب في غزة، والضغط الإسرائيلي والأميركي المتزايد على الدول المجاورة، خصوصا لبنان، لضبط حدودها ومنع أي مشاركة غير مباشرة في المعركة. ففي هذا الإطار، جاءت الرسالة بمثابة خط دفاع وقائي هدفه الأول إبعاد لبنان عن نيران الحرب، والثاني تهدئة المخاوف الدولية من فوضى أمنية قد تفتح أبواب العقوبات أو العزلة.
وأوضح المصدر ان 'اللافت في البيان هو تضمين إشارة إلى توقيف مشتبه بهم في عمليات إطلاق صواريخ يومي 22 و28 مارس، وبدء الملاحقات القضائية ضدهم في الأسبوع التالي. هذه العناصر تؤكد نية السلطة إرساء مسار قضائي يربط الفعل بالمحاسبة، وهذا أمر لم يكن معتادا في حالات سابقة، اذ كانت العمليات تمر من دون تحديد مسؤوليات أو مساءلة. وبهذا، فإن التحرك القضائي يعكس تحول ملف إطلاق الصواريخ من ملف أمني سياسي إلى مسار قضائي مؤسساتي، ما يبعث برسالة إلى الداخل والخارج بأن الدولة اللبنانية ليست متساهلة مع أي خرق للأمن القومي، حتى وإن كان باسم دعم القضية الفلسطينية'.
وتوقع المصدر انه 'على الصعيد الداخلي، لابد أن يثير هذا التحول في الخطاب الرسمي تفاعلات واسعة. فمن جهة، قد تنزعج قوى لبنانية وفلسطينية ترى أن دعم المقاومة لا يتجزأ، وترى في هذا التحذير استجابة لضغوط غربية. ومن جهة أخرى، ترحب الغالبية من القوى اللبنانية بهذا الموقف، معتبرة أن الخطوة تأخرت كثيرا، وأنها تعبير عن استعادة الدولة لدورها في تنظيم العلاقة مع الفصائل غير اللبنانية. وفي هذا السياق، سيكون أمام الحكومة والرئاسة تحد في الحفاظ على التوازن بين الأمن والسيادة من جهة، واحتضان القضية الفلسطينية من جهة ثانية، مع ضرورة تفادي الانزلاق إلى مواجهة داخلية أو انقسامات سياسية حادة'.
وأشار المصدر إلى انه 'بالنسبة إلى الخطوات المقبلة، فإن البيان وإن كان حاسما، لا يكفي وحده. ويكمن التحدي في تنفيذ التوصيات وتحويلها إلى إجراءات ملموسة. ومن المرجح أن تشهد الفترة المقبلة تشديدا في الرقابة الأمنية في الجنوب ومحيط المخيمات الفلسطينية، وإطلاق تحقيقات موسعة قد تطال شبكات محلية متورطة بتوفير منصات أو دعم لوجستي لإطلاق الصواريخ. كما من المتوقع إعادة تفعيل لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني للبحث في مستقبل السلاح الفلسطيني خارج وداخل المخيمات، وزيادة التنسيق مع قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) لتثبيت الاستقرار وفق القرار 1701، إضافة إلى تكثيف التحركات الديبلوماسية لطمأنة الحلفاء والشركاء بأن الدولة اللبنانية لا تغطي أي تصعيد من أراضيها'.
وخلص المصدر إلى التأكيد ان 'تحذير حماس من قبل الدولة اللبنانية ليس مجرد تفصيل عابر، بل هو علامة على بداية مرحلة جديدة تحاول فيها الدولة رسم حدود واضحة لعلاقتها بالفصائل الفلسطينية، وبجبهتها الجنوبية، وبالأمن الإقليمي عموما. ولكن ما لم تترافق هذه الرسائل مع توافق داخلي حقيقي، وتحرك ديبلوماسي فاعل، وضبط أمني صارم، فإن الخطورة تبقى قائمة، خصوصا أن لبنان يقف على أرض رخوة أمنيا واقتصاديا وسياسيا. وإن كان من عنوان لهذا البيان فهو: الدولة تحذر.. فهل تطاع؟'