الشائعات… أخطر وسائل الحرب النفسية على الأمن القومي

تاريخياً، انتشرت الشائعات بصورة معروفة منذ القدم، وتطورت وتغيرت مع تقدم الزمن والتكنولوجيا، خصوصاً خلال الحروب العالمية، بحيث أصبحت موضوعاً دراسياً في الجامعات والمؤسسات الأمنية، وتم تطوير الأطر العلمية لفهمها بفضل العلماء في مجالات مثل علم النفس والاجتماع والاعلام.

في زمن التزعزع الأمني المحلي والاقليمي، مع انتشار الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، نواجه كمية هائلة من المعلومات من دون التحقق من مصداقيتها، ما يجعلنا نعيش في بحر لا ينتهي من التضليل والفبركات التي تؤثر سلباً على الصحة النفسية للمواطنين.

في الأزمات يرتفع معدل الشائعات

الشريك المؤسس في منصة 'صواب' المعنية بمكافحة الشائعات والأخبار الزائفة الصحافي ميغال حدشيتي قال لـ 'لبنان الكبير': 'دائماً في الأزمات بغض النظر عن أنواعها سواء كانت كوارث طبيعية، حروباً، أو غيرها مع كثرة الأخبار المتدفقة يرتفع معدل الأخبار الكاذبة والشائعات ويكون امتصاصها أسرع، لأن المتلقي الذي لا يعلم كيفية التفريق بين المصادر والاطلاع عليها ستكون نسبة تصديقه لهذه الأخبار أعلى من الأيام العادية. في حالة البلد اليوم مع غياب التغطية الكافية التي تعطي معطيات كاملة عما يحدث في الجنوب من الطبيعي أن يبقى هناك نوع من الحاجز بين الناس والتأكد من صحة الخبر من عدمه'.

وأوضح أن 'هناك أكثر من طريقة للتعامل مع الأخبار حسب الخبر والحالة. أولاً، يجب الاطلاع على التغطيات الاعلامية عبر المحطات التي تنقل عن طريق البث المباشر أو مراسليها في المناطق المستهدفة. ثانياً، عدم تصديق الأخبار التي تصلنا أو نراها على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً اذا كان الخبر منسوباً الى أي صحيفة أو قناة أو مصدر اخباري موثوق. مثلاً اذا كان الخبر منسوباً الى القناة أ وجب الدخول الى موقعها والتأكد من أنها نشرته'.

ورأى أن 'من المهم التأكد من الأخبار التي تصل الينا ولا سيما مجهولة المصدر لتجنب الضغط النفسي الذي نتعرض له كمواطنين عند تلقينا لها، بالاضافة الى الحد من انتشارها أكثر وزيادة فاعليتها التي تؤثر سلباً على الأمن القومي'.

تسعى الى تدمير الأفراد والمجتمعات

أكدت دكتورة علم النفس في جامعة بيروت العربية هيلغا علاء الدين أن 'الاشاعات برهنت عبر الزمن تأثيرها الكبير على الأفراد والمجتمعات حيث استطاعت النيل من مجتمعات ودول وليس أفراداً فقط. ويمكن أن تكون مستندة الى معطيات صحيحة يتم المبالغة بها للتأثير على الناس أكثر خصوصاً في عصر التكنولوجيا الذي سهل انتشارها وسهل ممارسة الحرب النفسية'.

أضافت: 'بطبيعة الحال في مجتمعات تشبه المجتمع اللبناني من ناحية الانهيارات والتفكك تكثر فئة من المواطنين تطلق على حالتها في علم النفس الايحاء وهي الفئة المستهدفة من الاشاعات بحيث أن الأشخاص الأكثر ايحاءً وهشاشة نفسية والأقل ثقة بالنفس وتقديراً للذات تكون لديهم حساسية وتأثر من دون التحقق حتى من صحة المعلومة، وهذا يعود الى أسباب متعددة أهمها انخفاض مستوى التعليم أو فئة المراهقين والشباب التي ينخفص فيها النضج والوعي أو تدني المستوى الاجتماعي والاقتصادي أو وجود حالة بطالة وغيرها من العوامل'.

وحذرت من أن 'تأثير الشائعات على الصحة النفسية كبير من خلال تعزيز الشكوك، زيادة مستويات القلق والاكتئاب والغضب والسلوك العدواني، ما يؤثر بطبيعة الحال على الحياة المهنية والعلمية والصحة الجسدية، بحيث أن التوتر يؤدي الى ارتفاع معدل هرمون الكورتيزول الذي يؤدي الى اضطرابات في جهاز المناعة، بالاضافة الى تعميق التفكك بين الجماعات والغضب الاجتماعي والتعصب للآراء، كما يقلص فسحة الأمل في نظر الشعوب. خلاصة القول الشائعات هي من أدوات الحرب النفسية الخطيرة التي تسعى الى تدمير الأفراد على الصعيد المعنوي والفكري ما يسهل عملية تدمير المجتمعات والقضاء عليها خصوصاً اذا كانت شائعات ممنهجة ومخطط لها، والمطلوب التأكد من مصادر الأخبار والحد من انتشار الشائعات وجعل الذات والغير عرضة لسمومها'.