اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ٦ نيسان ٢٠٢٥
قيل: 'أكثر أهل الجنة من 'البُلهاء' فأدركنا أن شرط الحياة لم يكن العقل، بل غيابه.. لم تكن الجنة مكافأة للحكمة، بل للبساطة والسذاجة…أو لنقل: للسذاجة المقدَّسة!
ثم جاء من أقصى المدينة سيدان، غائبان في الجسد، لكن حاضران في الوجدان ـ هاني فحص ومحمد حسن الأمين ـ كانا يعلمان أنَّ الطريق إلى الله لا يُعبد بالحفظ، بل بالحرية، وكانا يقولان ـ كلٌّ بطريقته ـ إنَّ الجنة التي لا تتسع لسؤال، هي جنةٌ تليق بالبُلهاء لا بالأحبة.
قال فحص عبارته التي شجَّتني: 'إذا كان أكثر أهل الجنة من البُلهاء، فنحن بُلهاء في الأرض بلا جنة'. ثم جاء الأمين، وقد خبر المؤسسة والمجتمع والدين، وقال: 'لا أريد جنة بلا حرية، ولو كانت تحت العرش'.
فهل هذا تمرَّد؟ لا، بل حب ناضج لا يقبل أن يُحب الله عن جهل.
كنا نظن أن الهلاك يجيء من الغفلة، فإذا بها صكُّ أمان! ومع الوقت، أدركنا أن الذكاء معاناة، وأن السؤال عقوبة، وأنَّ الوعي لا ندريه إن كان نعمة أم نقمة، وأن الحب الخالص لا يكافأ في العاجل ولا في الموعود.
السيدان فحص والأمين، لم يكونا من 'البُلهاء' بمعناهم الصوفي الشعبي، بل من أولئك الذين تجرَّأوا على إعادة تعريف الإيمان، من دون أن يُفرِّطوا بالله تعالى. دفعا الثمن، من عزلة المؤسسة، إلى جحيم الشك، إلى بُرد تراب الغربة، ثم إلى دفء الموت.
أما نحن؟
فنقف على هامش الجنَّات، نُحدِّق في قوافل الطاعة التي تمرُّ خفيفة الأرواح، خالية من عناء تعب السؤال، وندرك أننا لسنا منها…. ولا هي منا. نحن أبناء الحيرة، أولاد سراديب الوجع النبيل، نحمل رؤوسنا مثقلة بالشبهات، لا لنكذِّب، بل لنفهم. نحاور الله تعالى بحرقة المحب، لا بعناد الكافر. ولو خُيِّرنا بين جنةٍ تُكافئ التسليم، وجحيم يضمُّ مَن أحببناهم وسرنا معهم دروب الشك، لاخترنا الحجيم….. ما دام فيه وجه فحص وصوت الأمين..
لأنَّ الجنة، كما قيل، لمن أراح عقله…. ونحن لا نعرف راحةً إلا حيث يُسمح للعقل أن يُحب، ويشك، ويعبد.
نعم، نحن بُلهاء….
لكننا بُلهاء الحنين، والشوق، لا البلادة ولا البلاهة.. بُلهاء لأننا صدَّقنا أن الإيمان لا يُمنح، بل يُنتزع من صخور التجربة.. بُلهاء لأننا صدَّقنا أن الله لا يغضب من العشَّاق، وإن نطقوا بغير ما يُرضي المؤسسة وأرباب الآلهة… وإذا لم يكن في الجنة متسعٌ لفحص والأمين، فلتكن لنا الأرض إذاً؟…… نُقيم فيها خيمتهم، نُشعل تحتها نار السؤال، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً…