اخبار لبنان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١ كانون الأول ٢٠٢٥
الزيارات البابوية إلى بلاد الأرز بدأت عام 1964 مع بولس السادس
يتهيأ لبنان لاستقبال حدث بارز على مستوى العالمين الروحي والسياسي، مع الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها البابا لاوون الرابع عشر إلى بيروت خلال ساعات قليلة، آتياً من تركيا، ضمن أول محطة له في الشرق الأوسط منذ اعتلائه سدة المسؤولية.
وتمتد الزيارة إلى لبنان على جملة لقاءات رسمية وروحية تشمل كبار المسؤولين اللبنانيين ورؤساء الكنائس، إلى جانب محطات شعبية واحتفالات ليتورجية يُنتظر أن تشكل مناسبة جامعة في لحظة وطنية دقيقة.
وتأتي هذه المحطة في ظل وضع استثنائي يعيشه لبنان، أمنياً وسياسياً واقتصادياً، بخاصة وسط خوف من شن إسرائيل حرباً جديدة في المستقبل القريب، مما يضفي عليها وزناً مضاعفاً لجهة الرسائل التي سيحملها الحبر الأعظم ودعمه الثابت لوحدة لبنان وصون رسالته التاريخية كأرض حرية وتعددية في الشرق.
البابا لاوون الرابع عشر هو رأس الكنيسة الكاثوليكية وقد انتُخب في مايو (أيار) الماضي خلفاً للبابا فرنسيس ليتولى قيادة المؤسسة الكنسية في مرحلة عالمية شديدة التعقيد.
من أصول بوليفية أميركية، ولد باسم روبرت فرنسيس بريفوست عام 1955 في مدينة شيكاغو، شغل منصب رئيس دائرة الأساقفة ورئيس اللجنة الحبرية لأميركا اللاتينية منذ عام 2023، كذلك كان الرئيس العام لرهبنة القديس أوغسطينوس من 2001 إلى 2013.
عُرف بمواقفه الداعمة للسلام، وباهتمامه الخاص بقضايا الشرق الأوسط، وبدعوته الدائمة إلى حماية التعددية الدينية والعيش المشترك. وتشكل زيارته إلى لبنان محطة بالغة الأهمية، بالنظر إلى الدور التاريخي الذي يراه الفاتيكان لهذا البلد في المنطقة.
يصل إلى لبنان عصر اليوم الأحد آتياً من تركيا، على أن تستمر زيارته يومين فيما يغادر الأراضي اللبنانية الثلاثاء الثاني من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
زيارته إلى هذا البلد الصغير وصفت بالتاريخية بخاصة أنها أتت ضمن محطته الخارجية الأولى منذ توليه رأس الكنيسة الكاثوليكية.
في الساعات الأولى التي سيصل فيها إلى لبنان، سيلتقي البابا لاوون الرابع عشر الرئيس اللبناني جوزاف عون في قصر بعبدا، ثم رئيس الحكومة نواف سلام في السراي الحكومي، وبعدها رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة.
كذلك ستكون له في مساء اليوم نفسه لقاءات مع ممثلي المجتمع المدني، والسلك الدبلوماسي، على أن يلتقي خلال الجولات التي سيقوم بها الإثنين والثلاثاء الأساقفة والكهنة والمكرسين والعاملين في الرعويات الكنسية، وأيضاً البطاركة الكاثوليك في السفارة البابوية، ناهيك بلقاء موسع مع الشباب في ساحة الصرح البطريركي الماروني.
في اليوم الأول من وصوله إلى لبنان سيقتصر وجود البابا في العاصمة بيروت، نظراً إلى الطابع الرسمي للقاءات التي سيجريها، إلا أن جولاته في اليومين التاليين ستشمل ضريح القديس شربل في دير مار مارون عنايا شمال لبنان، ومزار سيدة لبنان في حريصا، والسفارة البابوية، وساحة الشهداء في العاصمة بيروت، ومستشفى راهبات الصليب للأمراض النفسية والعقلية في منطقة جل الديب شمال بيروت، وواجهة بيروت البحرية وموقع انفجار مرفأ العاصمة.
لا، البابا لاوون الرابع عشر وخلال وجوده في لبنان لن يزور مناطق من جنوب البلاد إذ ستقتصر زياراته على العاصمة وبلدات في مناطق شمال العاصمة وصولاً إلى جبيل كحد أقصى. وفيما وضع كثر غياب الجنوب عن جولة البابا ضمن المخاوف الأمنية بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة التي تطاول بشكل مركز الجنوب، صرح البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في إحدى المقابلات الإعلامية أن البابا لن يزور هذه المنطقة من لبنان بسبب محدودية فترة وجوده في هذا البلد.
وصلت بالفعل سيارة 'البابا مومبيلي' إلى مرفأ بيروت قبل يومين، إذ يستخدمها عادة في بعض التنقلات خلال زياراته الخارجية.
وهذه السيارة التي تعرف باسم 'الباباموبيل' هي مركبة خاصة يستخدمها البابا خلال الجولات العامة والقداديس والتجمعات الكبيرة، وهي وسيلة تجمع بين الرمزية الدينية ومتطلبات الأمن الحديث.
فكرتها بدأت قبل عقود، إذ قبل السبعينيات، كان البابا يتنقل بعربات تقليدية أو سيارات عادية بلا حماية كبيرة، لكن بعد محاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني عام 1981 في ساحة القديس بطرس، تغير كل شيء، وباتت هناك حاجة ملحة إلى مركبة تتيح للبابا الظهور أمام الجمهور من دون أن يكون مكشوفاً تماماً للخطر، ومن هنا وُلد 'الباباموبيل' بشكله الأمني المعروف.
تتكون هذه السيارة من زجاج مضاد للرصاص يتيح للبابا الوقوف داخل قمرة شفافة، وفيها نظام اتصال داخلي وخارجي، وأحياناً زر طوارئ مرتبط بالحرس السويسري، وفي بعض المناسبات يستخدم البابا نسخة مفتوحة (من دون زجاج) لإظهار ثقته وقربه من الجمهور.
تعد زيارة البابا لاوون 14 الزيارة البابوية الرابعة بعد ثلاث زيارات تاريخية تركت بصمات عميقة في مسيرة لبنان الوطنية والروحية. وهي زيارة البابا بولس السادس التي تمت عام 1964، وزيارة البابا يوحنا بولس الثاني عام 1997، وزيارة البابا بنديكتوس السادس عشر عام 2012.
اختلفت الزيارات الثلاث من ناحية الظروف والنتائج لكنها حملت جميعها رسائل متقاربة في جوهرها، تمحورت حول التمسك بالأمل والصمود ودعم العيش المشترك وتعزيز دور لبنان 'الرسالة' في المنطقة، وبأن لبنان سيبقى أرض لقاء وحوار، ورسالة سلام للشرق والغرب معاً.
زيارة البابا بولس السادس في الستينيات، التي كانت في إطار رحلة إلى الشرق الأوسط شملت الأراضي المقدسة ولبنان، اكتسبت أهمية على رغم المدة القصيرة التي أمضاها في بيروت، وحملت دلالات قوية على تقدير الفاتيكان دور بيروت كجسر حضاري بين الشرق والغرب، ورسالة سلام في محيط متوتر.
فالزيارة جرت في مرحلة حساسة من تاريخ المنطقة، إذ كانت الحروب العربية – الإسرائيلية تلوح في الأفق، وكان لبنان يعيش ازدهاراً اقتصادياً وثقافياً نسبياً في ظل الاستقرار السياسي قبل اندلاع الحرب الأهلية. التقى حينها البابا بولس السادس الرئيس اللبناني شارل حلو، وألقى كلمات تؤكد رسالة لبنان كـ'وطن للحرية والتعايش بين الأديان'.
أما زيارة البابا يوحنا بولس الثاني في مايو (أيار) عام 1997 فجاءت في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب اللبنانية التي امتدت من عام 1975 حتى 1990، حين كان البلد يعيش مرحلة إعادة الإعمار والبحث عن ترسيخ السلم الأهلي والمصالحة الوطنية. كان الجو العام يطغى عليه الأمل بإعادة بناء الدولة وتعزيز الوحدة الداخلية، على رغم استمرار الاحتلال السوري والنقاش حول السيادة الوطنية، أما الوضع الأمني فكان مستقراً نسبياً، مما أتاح للبابا أن يلتقي مختلف فئات الشعب اللبناني بحرية.
بعد 15 عاماً على زيارة البابا يوحنا بولس الثاني لبنان، زار في سبتمبر (أيلول) من عام 2012 بلد الأرز البابا بنديكتوس السادس عشر في ظروف إقليمية دقيقة للغاية، إذ كانت المنطقة العربية تشهد اضطرابات واسعة بفعل ما سمي 'الربيع العربي'، فيما كانت الحرب في سوريا قد اندلعت، وألقت بظلالها على لبنان الذي كان يخشى انتقال التوترات الطائفية إلى داخله، نتيجة مشاركة 'حزب الله' فيها إلى جانب نظام الرئيس السابق بشار الأسد ضد فصائل المعارضة.
تعرض عدد من الباباوات عبر التاريخ للعنف، أغلبه نتيجة صراعات سياسية أو دينية، فيما تبقى أشهر محاولة اغتيال حديثة تلك التي تعرض لها يوحنا بولس الثاني، كذلك بقي بعض الحوادث موضع جدل كبير مثل وفاة يوحنا بولس الأول.
تعد محاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني عام 1981 الأشهر في التاريخ الحديث، خلالها أطلق التركي محمد علي آغجا النار على البابا في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان، وقد أصيب البابا بجروح خطرة في البطن واليد، لكنه نجا بأعجوبة. الحادثة أدت إلى تشديد إجراءات حماية البابا وظهور الـ'باباموبيل' المصفحة.
كذلك كشفت تقارير عدة أن البابا السابق فرنسيس نجا من محاولة اغتيال عام 2021 خلال زيارته العراق وتحديداً مدينة الموصل.
عام 1970 تعرض البابا بولس السادس لمحاولة اغتيال أثناء زيارته إلى مانيلا في الفيليبين، حينها هاجمه رجل متنكر بزي كاهن، وطعنه بسكين، أصيب البابا إصابة طفيفة في الصدر وتم إنقاذه فوراً.
أما أول بابا يقتل بشكل موثق فكان يوحنا الثامن عام 882، وتشير التقارير التاريخية إلى أنه قتل بالسم، وجاءت العملية نتيجة صراعات سياسية داخل روما.
يتفق المحللون على أن زيارة الحبر الأعظم إلى لبنان تُعيد تثبيت النظرة التاريخية للفاتيكان إلى هذا البلد الصغير بوصفه نموذجاً للعيش المشترك بين الأديان والثقافات، ورسالة روحية حضارية تتجاوز حدوده الجغرافية، كذلك فإن اختيار لبنان محطة مبكرة في حبريته يحمل دلالة بأن الفاتيكان لا يزال يرى فيه ركناً أساساً في الشرق.
ناهيك بأن الزيارة تأتي في لحظة حساسة أمنياً وسياسياً واقتصادياً، مما يجعلها إشارة دعم للمؤسسات الدستورية والجيش والقضاء، ورسالة بأن وحدة الدولة اللبنانية خط أحمر بالنسبة إلى الفاتيكان.
وأخيراً يحمل البابا رسالة تطمين للمسيحيين في لبنان والمنطقة، في ظل هجرة واسعة وتراجع ديموغرافي، وتعيد وضع البلاد على الخريطة الدولية، وتشكل مناسبة لفتح باب المساعدات والمبادرات الإنسانية والدبلوماسية.
على رغم أهمية هذه المحطة وتاريخيتها بالنسبة إلى لبنان واللبنانيين، فإن الخشية تتفاقم مما بعد 'انطفاء' الكاميرات ومغادرة البابا لاوون الرابع عشر بلاد الأرز، بخاصة أن غالبية التقارير تشير إلى تصعيد إسرائيلي محتمل بعد انتهاء هذه الزيارة، وقد كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي جمد تصعيده العسكري على الجبهة الشمالية لما بعد الثاني من ديسمبر المقبل.











































































