اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١٠ أيار ٢٠٢٥
في احتفال مؤثّر أقامته جامعة الروح القدس - الكسليك، مساء الخميس 8 أيار 2025، في قاعة البابا يوحنا بولس الثاني، تمّ تكريم البرلماني والوزير الأسبق إدمون رزق بطريقة رمزية وعميقة: بتسليم أرشيفه الشخصي، من وثائق ومخطوطات وخطابات ومراسلات إلى مكتبة الجامعة. لم يكن هذا الأرشيف مجرد مواد محفوظة، بل ذاكرة وطن حيّة، أودعها في عهدة مؤسسة أكاديمية قادرة على صونها وإتاحتها للبحث والتوثيق ونقلها للأجيال.
الحفل الذي قدّمه وأداره الإعلامي وليد عبود، تضمّن شهادات نخبة من الشخصيات الوطنية والفكرية، وحضره حشد من الوجوه السياسية والإعلامية والروحية.
إدمون رزق، ابن جزين، دخل الحياة النيابية عام 1968 كاسراً المعادلات الطائفية والسياسية بفضل ثقة الناس، وتابع حضوره البرلماني حتى مطلع التسعينيات، فكان شاهداً على أهم التحوّلات المفصلية في تاريخ الجمهورية اللبنانية. لم يكن نائباً عادياً، بل كان فقيهاً في النص، ملهماً في الحوار، ومشاركاً محورياً في صياغة وثيقة الوفاق الوطني، 'اتفاق الطائف'، التي لا تزال، رغم كل التحديات، حجر الزاوية في الدستور اللبناني المعدّل عام 1990.
من وزارة التربية إلى وزارة العدل، ثم الإعلام، تنقّل رزق بين مهمات دقيقة، فنجح في كل منها، لكنه بقي، في الوجدان العام، 'الضامن القانوني' و'المرجع الأخلاقي' في السياسة اللبنانية.
رزق: كنائب لم أوافق يوماً على قانون مخالف للدستور
في كلمة مؤثرة، استعاد رزق مسيرته الوطنية والإنسانية والفكرية، متوقفاً عند محطات مفصلية في حياته الشخصية والعامة. وقال: 'أنا ابن الرهبانية اللبنانية المارونية، نشأت في ديرها، وتعلّمت في مدرستها، ودرّست في معهدها، وأفتخر بانتمائي إليها'.
ووصف الزمن بأنه مرآة صادقة تعكس وضوح الرؤية وترسّخ القناعة، مشدداً على أن انتماءه اللبناني المسيحي لم يكن يوماً انعزالياً، بل تجسّد من خلال إيمانه بالشراكة الوطنية واحترام التعددية.
أضاف: 'منذ 82 عاماً، كان اندماجي البنّاء في هويتي اللبنانية العربية وإيماني المسيحي قائماً على الاعتراف بالآخر، وعلى الشراكة المسؤولة'.
كما تناول رزق تجربته الطويلة في العمل النيابي والسياسي، مؤكداً التزامه الدائم بثوابت الدستور وروح وثيقة الوفاق الوطني، ورفضه المشاركة في أي سلطة تنتهك المبادئ الدستورية أو تتجاهل معايير الكفاءة والعدالة. وقال: 'مارست النيابة على مدى ربع قرن، ولم أوافق يوماً على قانون غير دستوري أو غير عادل… راهنتُ بحياتي على دولة القانون والحق والكرامة'.
رزق والذي رغم معاناته الشخصية، بقي ثابتاً، صامداً، وشاهداً على مسيرة الحرية والسيادة والاستقلال، وفي ختام كلمته، قدّم أرشيفه الفكري، حصيلة سبعين عاماً من العمل في الشأن العام، كهدية لشباب لبنان، ليكون مرجعاً للتأمل والبحث، وتوثيقاً لذاكرة وطنية حية، داعياً إلى التمسك بالقيم الجامعة، ومثنياً على دور الرهبانية اللبنانية المارونية وجامعة الروح القدس - الكسليك في صون الذاكرة الوطنية.
أرشيف رزق... ثروة توثيقية
إشارةً إلى أن الأرشيف الشخصي لرزق، الذي يُقدّم إلى مكتبة جامعة الروح القدس، يضمّ ثروة توثيقية مميزة تشمل أكثر من 80 ساعة من التسجيلات الصوتية، 200 (فيديو)، آلاف الوثائق والمقالات، المقابلات والمخطوطات، التي توثق تاريخ لبنان السياسي والاجتماعي والثقافي الحديث. وقد تم جمع هذا الأرشيف بعناية شديدة من قبل عائلة رزق على مدى سنوات، ليكون مرآة لذاكرة وطنية حيّة تعبّر عن محطات مفصلية في حياة لبنان. أما جامعة الروح القدس - الكسليك، من خلال تجهيزاتها التقنية وفريقها المتخصص في مركز 'فينيكس' للدراسات اللبنانية، فستعمل على رقمنة وتصنيف هذا الأرشيف وإتاحته للباحثين والجمهور العام، مساهمةً في حفظ الذاكرة الجماعية اللبنانية وتعزيز البحث الأكاديمي والمعرفي.
ختاماً… أن يُكرَّم إدمون رزق يعني أن يُكرَّم لبنان
في عمر يناهز الـ 91، ظل الأستاذ رزق حاضراً بكامل الوعي والرؤية، ليعلّمنا أن السياسة ليست صراعاً بل مسؤولية، وأن الدستور ليس نصاً بل ضميراً… وفي هذه اللحظة الرمزية، لم يكتفِ بتسليم الأرشيف، بل سلّم الأمانة… أمانة الكلمة، النزاهة والانتماء إلى دولة القانون.