اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ٢١ كانون الأول ٢٠٢٤
يسعى النظام الدين- سياسي، إلى البحث عن كل الوسائل المتاحة، التي تمكنّه من القبض على مواطنيه، في محاولة منه لإسقاط عقده و هواجسه و مخاوفه عليهم. بتعبير أدق، يجهد في تفريغ ما يطلق لديه الشعور بالعجز، عبر سياسة الاقتصاص ممن يعارضه. فيتمكّن بذلك من التلطّي وراء ضعفه، و تجنب ما يهدد تماسكه و استقراره.
و تحمي سلطة هذا النظام نفسها من الشعور بالعجز، عبر الاستقواء على من تعتبره الأضعف في المجتمع و الانتقام . لذلك، فإنه تستهدف المرأة باعتبارها العنصر الناقص، في نظرها، و تعمد إلى انتهاك أبسط حقوقها، من خلال التحكّم بجسدها عبر فرض الحجاب و الزاميته.
ولسنا هنا في صدد تناول موضوع الحجاب كفرض ديني أم لا، باعتباره موضوعاً يحمل جدلية وتعقيداً بعض الشيء. إذ يفترض نقاشه وجود فقهاء في الشريعة، من خلال ما يطرحونه من تفسيرات للنصوص الدينية. وبغض النظر عما إذا ارتضت الالتزام بالحجاب أم رفضته، فإن قناعة المرأة تبقى حقاً طبيعياً و قيمة خاصة بها، لا يجوز انتهاكهما تحت أي حجة كانت، سواء باسم الدين أو السياسة.
من جانب آخر، تتجلّى مقاربة ما يتركه قانون الحجاب من آثار سيكولوجية أهميةً و ضرورةً، حتى و لو بإيجاز سريع، باعتبارها تسهم في الكشف عن المعاناة، التي تكابدها المرأة في ظل سلطة 'منحرفة'، تفرض عليها الالتزام بما قد يتعارض مع شخصيتها وفكرها ومبادئها.
يستغل النظام الدين- سياسي الدين، و يعمد إلى توظيفه بما يتناسب مع مصلحته، غير آبه بحقوق مواطنيه، و استقرارهم الاجتماعي والنفسي. ومن الطبيعي أن ينشط في المجتمعات النامية، التي تفتقد القدرة على المشاركة في طرح الحلول لمشاكلها، بسبب ما تعانيه من تخلّف اجتماعي وتربوي.
وبالعودة إلى واقع المرأة، فإنها تجد نفسها محاصرة بقوانين مجحفة، بحيث تنتهك حياتها بجانبيها الخاص و العام، على حد سواء. ويعد ما يسمى بقانون 'الحجاب' الذي يتم فرضه و تطبيقه من خلال أجهزة 'أمنية' خاصة، تنحصر مهمتها في الحفاظ على 'العفّة' و نشر الأخلاق 'الحميدة'، في الوقت الذي تتعرض فيه المرأة الرافضة لأشدّ قصاص، و أسوأ أنواع التعنيف الجسدي والنفسي، بالاضافة إلى الاغتصاب على يد الكثير من السجّانين. مما يثبت الحالة الفصامية و الانحرافية، التي يعاني منها النظام 'المضطرب'. بتعبير أدق، يضبط جسد المرأة، للمحافظة على شرفها من جهة، ومن جهة أخرى يغتصبها في معتقلاته!….
وإذا ما قاربنا أكثر القانون المذكور، فيتبدى لنا في أنه يتخطى التحكّم بالجسد، ليطال الجانب النفسي من الحياة، عبر 'ترويض' المرأة على الخضوع، في سعي السلطة إلى تأكيد وجودها. وفي هذه الحال، يتراءى لنا، و كأننا أمام شخصية نرجسية منحرفة، تسعى إلى القبض على فريستها، و استنزاف طاقتها بغية التعويض عن ضعف أناها، و حماية نفسها من الشعور بالألم. كذلك الأمر، يبرع النظام الدين- سياسي في تحويل القواعد الدينية أو الثقافية، إلى إلزاميات 'مقدسة' بهدف تبرير ممارساته 'الشاذة' تجاه المرأة والمجتمع. وبذلك، يلجأ إلى 'شيطنة' المرأة غير المحجبة، و تصويرها على أنها تهديد ديني و أخلاقي يطيح بالمجتمع، و الرمي به في مستنقع 'المنكر'. بتعبير أدق، يعمد إلى تحميلها كامل المسؤولية عن صون شرف المجتمع !….
و يتلقى، بالمقابل، الكثير من النساء قانون الحجاب، على أنه تهديد لاستقلاليتهن، و فرادتهنّ وقيمهن الشخصية و خياراتهن الخاصة. ويعود السبب في ذلك إلى اختزال الحكم على المرأة في لباسها، والاستخفاف بكفاءتها العلمية أو المهنية أو الفكرية، بالإضافة إلى العمل على التقليل من شأن ما يمكن أن تؤديه، من دور هام في النهوض بمجتمعها. بمعنى آخر، يتم سجن المرأة في صورة نمطية ترفضها و تحاول التخلص منها.
من الطبيعي أن يعتري الخوف من تناهض قانون 'العفّة' و تقاومه، بحيث تعيش في قلق حاد و اكتئاب و احباط، نتيجة لما يمكن للنظام القمعي أن يمارسه، من سلوكيات همجية و عدوانية تجاه أفراد أسرتها، في محاولة منه لابتزازها و دفعها إلى الالتزام بالقوة. وفي هذه الحال، يدفعها الشعور بالعجز، إلى الاستسلام لقانون يجردها من هويتها الفردية، ليحولها إلى صورة 'طبق الأصل' عن الكثير من النساء، اللواتي لم يجدن سبيلاً لتجنب التعذيب، وإنقاذ عائلاتهن سوى بارتداء الحجاب.
كذلك الأمر، يجب عدم إغفال أمر بالغ الأهمية، و يتمثل في أن الصدمة الجماعية الناجمة عن قانون الحجاب، قابلة للانتقال إلى الأجيال اللاحقة. اذ تتطلب المآسي التي اختبرتها المرأة الرافضة للحجاب، الكثير من السنوات لكي تخفت مآلها الكارثية .
تعكس مناهضة المرأة لقانون الححاب رفضها للقمع، و التمسك بحقها في التصرف بجسدها بحرية. وما انتفاضة نساء إيران عقب موت مهسى أميني و مطالبة نساء سوريا بضمانة حرياتهن بعد سقوط النظام الاستبدادي …. إلا دليل على رفض المرأة، لأي عملية استلاب قد تلحق بها.
وفي كل الأحوال، تبقى قناعة المرأة هي الأهم والأساس ، سواء ارتدت الحجاب أو رفضته، لأنها تعكس فرادة شخصيتها، و تشكل جزءاً من هويتها الثقافية الخاصة بها. وعلى هذا الاساس، وجب احترامها وحمايتها، من أي سلطة مستبدة تسعى إلى النيل منها.