اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢١ تشرين الأول ٢٠٢٥
بقلم القاضي م. جمال الحلو
'حينَ انحنى العَدلُ ووقَفَتِ المَوازينُ'
رَحَلْتَ…
والقَضاءُ العَريقُ يَنتَحِبُ في المَجالِسِ،
كَأَنَّ المَطَرَ تَساقَطَ مِن سُطورِ الأَحكامِ.
رَحَلْتَ يا بُركانَ،
وسَكَتَتْ في القاعاتِ نَبَضاتُ الحُكْمِ،
كانَتْ يَداكَ إِذا رَفَعْتَ القَلَمَ،
تَخُطّانِ ميزانَ العَدْلِ كَأَنَّهُ وَصِيَّةُ المَلائِكَةِ.
كَمْ مِن بَريءٍ أَنْقَذَتْهُ بَصيرَتُكَ،
وَكَمْ مِن ظُلْمٍ انكَسَرَ عَلَى صَخْرَةِ إِنصافِكَ،
وَكَمْ مِن حُقوقٍ بَعَثْتَها مِن رُقادِها،
فَأَشْرَقَ وَجهُ العَدالَةِ بَيْنَ يَدَيْكَ.
يا مَن صَغْتَ لِلحُكْمِ هَيْبَتَهُ،
وَلِلمَنصَّةِ وَقارَها،
وَلِلمَجلِسِ العَدلِيِّ نَبرَتَهُ الَّتي لا تَشيخُ.
كُنتَ إِذا تَكَلَّمْتَ،
أَنْصَتَتِ القَوانِينُ نَفْسُها،
وَخَجِلَتْ حُروفُ المُرافَعاتِ أَنْ تَرتَجِفَ،
وَأَصغَى الزَّمانُ لِعَقلٍ يَزِنُ الأَبَدَ بِالحُجَّةِ.
يا قاضيَ القُضاةِ،
يا مِرآةَ النُّبْلِ إِذا غابَ النُّبْلُ،
يا نَخلَةً مِن ضِياءٍ لا تَنحَني لِلرِّيحِ.
حِينَ وَهَنَ الجَسَدُ،
بَقِيَتِ الرُّوحُ تُنازِلُ المَرَضَ بِصَبْرِ الأَبطالِ،
تُدافِعُ عَنِ الحَياةِ كَما تُدافِعُ عَنِ الحَقِّ،
حَتّى إِذا سَكَنَتْ،
سَكَنَتِ المَحاكِمُ مَعَها…
يا بُركانَ العَدْلِ،
نامَتْ في غِيابِكَ سِجِلّاتُ الإِنصافِ،
وَغَفَتِ المَوازينُ كَأَنَّها تَبكي حارِسَها الأَخِيرَ.
سَيَذكُرُكَ القُضاةُ طَويلًا،
وَسَيَبقَى اسمُكَ في المَجلِسِ العَدلِيِّ كَالضَّوْءِ،
لا يَخبو،
كَأَنَّهُ قَسَمٌ مُعَلَّقٌ عَلَى جِدارِ التَّاريخِ:
أَنَّ العَدلَ لا يَموتُ ما دامَ في ذِكرى بُركانٍ
يَنهَضُ النُّورُ مِن رَمادِهِ.











































































