اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
كتب يوسف فارس في 'الأخبار':
خرجت المقاومة الفلسطينية أخيراً عن صمتها، مؤكّدةً أنّ عدداً من عناصرها لا يزالون محاصرين داخل أنفاق وخنادق في مدينة رفح، الواقعة تحت السيطرة الكاملة لجيش الاحتلال. وجاء هذا الإعلان، في أعقاب دخول «وحدة الظلّ» التابعة لـ«كتائب القسام» إلى المدينة للمرة الأولى، برفقة فريق من «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» وطاقم فني مصري، للبحث عن جثمان الضابط الإسرائيلي القتيل، هدار غولدين، الذي أسرته المقاومة في أثناء عدوان عام 2014.
وبعد نحو عامين من البحث الإسرائيلي الفاشل، وحتى داخل النفق ذاته الذي احتُجز فيه غولدين، نجحت المقاومة في انتشال جثمانه وتسليمه أمس، إلى جيش الاحتلال، منهيةً بذلك أزمة الجثة التي شكّلت ملفّاً عالقاً طيلة السنوات الماضية.
وفي المقابل، بدا واضحاً أنّ حلّ قضية غولدين، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمخرج الجاري بحثه لمعالجة أزمة المقاومين العالقين في رفح؛ إذ من المتوقّع أن يصل اليوم مبعوثا الرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، إلى الكيان، في محاولة لإيجاد مخرج يمنع تقويض اتفاق وقف إطلاق النار. وتكتسب هذه الزيارة أهمية إضافية بعد الاشتباك الذي وقع في العشرين من الشهر الماضي، بين خليّة من المقاومة وقوة من جيش الاحتلال، وأدّى إلى مقتل جنديين إسرائيليين وإصابة آخرين، كما تبعه تصعيد عسكري استمرّ 12 ساعة، وأسفر عن استشهاد نحو 30 فلسطينياً وجرح العشرات.
وإذ أكّدت «كتائب القسام»، حينها، أنّ الاتصال لا يزال مفقوداً مع العشرات من مقاوميها الذين لم تصلهم أنباء التهدئة، فإنّ المعلومات المتعلّقة بالمقاومين المحاصرين، بدأت تصدر مذّاك، حصراً، من الإعلام الإسرائيلي، وعلى ألسنة وزراء اليمين المتطرّف، لا سيّما وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اللذين طالبا، ومعهما عدد من الوزراء، بعدم السماح بخروج المقاومين بشكل آمن. وتراوحت المواقف الإسرائيلية تلك بين خيارين: القضاء على عناصر المقاومة أو إجبارهم على تسليم أسلحتهم والخروج عراة ليُعتقلوا في «معتقل سديه تيمان» الشهير. وفي هذا السياق، ذكر المحلّل العسكري آفي أشكينازي، في صحيفة «معاريف»، أنّ «إسرائيل، خلافاً لتصريحاتها، لا تملك معلومات دقيقة عن مواقع وجود عناصر حماس، داخل الخط الأصفر في رفح»، مشيراً إلى أنّ «المنظومة الأمنية تتخوّف من الاشتباك المباشر معهم، خشية انهيار وقف إطلاق النار». والواقع أنه لم يعُد خافياً أنّ جيش الاحتلال لا يمتلك معلومات استخبارية دقيقة بشأن أماكن تحصّن المقاومين، وإلا لَما تردّد في استهدافهم وقتلهم، خصوصاً أنّ عمليات القصف وتدمير البنى التحتية لم تتوقّف في مناطق «الخط الأصفر»، منذ سريان وقف إطلاق النار.
من جهتها، أكّدت «كتائب القسام»، في بيان صحافي نشرته أمس، أنّ «الاستسلام غير وارد في عقيدة المقاومين وتاريخهم»، محمّلةً الاحتلال المسؤولية الكاملة عن أي التحام مع مقاتليها المتحصّنين داخل منطقة خاضعة لسيطرته. ونبّه البيان إلى أنّ «مبدأ الاستسلام وتسليم النفس للعدو، لا مكان له في قاموس كتائب القسام»، داعياً الوسطاء إلى «تحمّل مسؤولياتهم لضمان استمرار التهدئة ومنع الاحتلال من استغلال الأزمة لارتكاب مجازر جديدة بحق المدنيين في غزة». وأشارت «القسام» إلى أنّ «عملية استخراج الجثث تمّت في ظروف معقّدة وصعبة»، إلا أنّ المقاومة التزمت بما هو مطلوب منها بموجب الاتفاق، مضيفةً أنّ «استخراج الجثث الأربع المتبقّية، يتطلّب طواقم ومعدّات فنية إضافية»، ما يعكس صعوبة إنجاز هذه المهمّة في الوقت الراهن.
ويأتي ذلك في وقت تُطرح فيه، في كواليس المفاوضات، عدّة مقاربات لنزع فتيل أزمة مقاتلي «القسام»، أبرزها من الجانب الأميركي، الذي يرى في معالجة هذه القضية مدخلاً لوضع نموذج أوّلي لعملية نزع سلاح المقاومة، في كامل القطاع. وتتمحور الرؤية الأميركية حول أنّ أي خروج آمن للمقاومين، يجب أن يسبقه تسليم السلاح الفردي والكشف عن خرائط الأنفاق، ما قد يشكّل لاحقاً قاعدة لتفكيك البنية العسكرية للمقاومة. غير أنّ هذه التصوّرات تصطدم بتعقيدات ميدانية وعراقيل إسرائيلية، أبرزها أنّ أي صيغة للحلّ ستُحرج رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، داخلياً، وسيبدو معها الأخير وكأنه انصاع للضغوط الأميركية، خاصة بعدما انتزعت واشنطن، صلاحيات الرقابة على دخول المساعدات والبضائع إلى غزة من إسرائيل، وأسندتها إلى القيادة الأميركية، في مركز الرقابة في كريات غات. وفي هذا السياق، جدّد سموتريتش، موقفه المتشدّد، مؤكّداً أنّ «إسرائيل، لن تدفع ثمناً مقابل استعادة جثمان هدار غولدين»، مضيفاً أنّ «نحو 200 من مقاتلي حماس، محكوم عليهم بالموت». وتابع أنّ «الهدف الاستراتيجي لا يزال تفكيك حماس عسكرياً وإدارياً ونزع سلاح غزة»، مهدّداً بالوصول إلى ذلك الهدف بـ«طريقة إسرائيلية أشدّ» إن لم يتمّ تحقيقه بالأسلوب الأميركي.
في المحصّلة، تمثّل أزمة المقاومين العالقين في رفح الاختبار الأبرز لمدى صلابة وقف إطلاق النار، وقدرة الوسطاء، وفي مقدّمهم الولايات المتحدة، على نزع فتيل التفجير. إذ إنّ أي اشتباك جديد يؤدّي إلى مقتل جنود إسرائيليين، قد يمنح نتنياهو الذريعة المثلى للتنصّل من اتفاق لا يرى فيه ما يخدم مصلحته السياسية.











































































