اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٣١ أيار ٢٠٢٥
فوجىء اللبنانيون برفع أسعار المحروقات بمعدّلات كبيرة قياساً للمعدّلات المعمول بها أسبوعياً، والتي تدور عادةً حول بضع آلاف من الليرات. لكن ما إن أقرّ مجلس الوزراء فرض ضريبة على المحروقات، وقبل أن يتبيّن لأصحاب المحطات والعاملين في القطاع تفاصيل القرار وما إذا كان مجحفًا بحقّهم، حتى انتفضت نقابة أصحاب المحروقات ورفعت أسعار البنزين والمازوت مباشرة، وأصدرت وزارة الطاقة مساء الخميس جدولًا جديدًا لأسعار المحروقات، تضمّن زيادة كبيرة في سعر صفيحة البنزين 98 أوكتان بلغت 101.000 ليرة، و100.000 ليرة على البنزين 95 أوكتان، في حين بلغت الزيادة على سعر صفيحة المازوت 174.000 ليرة.
وجاءت الزيادة بناءً على قرار مجلس الوزراء الذي لم يكشف بوضوح أسباب هذه الزيادة ولم يراعِ انعكاساتها المباشرة على المواطنين، إذ إنّ رفع أسعار المحروقات يؤدي حتماً إلى رفع أسعار السلع والخدمات. بل إنّ إعلان القرار من خلال تلاوة وزير الإعلام بول مرقص مقررات الجلسة، جاء ملتبساً.
تبرير الزيادة جاء على لسان فادي أبو شقرا، ممثل نقابة موزعي المحروقات، مشيرا الى أن التسعيرة الجديدة للمحروقات شهدت ارتفاعاً في أسعار البنزين والمازوت والغاز، موضحاً أن السبب يعود إلى الضرائب التي فرضتها الدولة، بهدف تأمين الإيرادات المالية.
ودعا أبو شقرا المواطنين وأصحاب المحطات إلى تفهّم هذا الارتفاع، مشدداً على أن الدولة بحاجة لهذه العائدات الضريبية.
اما عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس، فأشار إلى أنّ الجدول الذي كان سيصدر امس الجمعة «كان يفترض به أن يحافظ على الأسعار السابقة، أي تلك الصادرة في جدول يوم الثلاثاء 27 أيار، مع إمكانية اختلاف الأسعار بشكل طفيف».
واستغرب البراكس هذا التبرير لأنّ «أسعار المحروقات تتحدّد وفق عدّة أمور، أهمّها الأسعار العالمية للنفط، ولم تشهد تلك الأسعار تغييرات كبيرة تستدعي اتخاذ مجلس الوزراء قراراً كهذا. وبالتأكيد لا يمكن إعطاء تبرير يرتكز على إعادة الأسعار إلى ما كانت عليه في فترة معيّنة».
التبريرات لم تكن مقنعة للناس والعسكريين والموظفين خصوصا تلك التي انتشرت إعلامياً، ومنها أنّ مجلس الوزراء أراد فرض ضريبة على أرباح أصحاب المحطات. وكذلك التبرير المتعلّق بإيجاد تمويل للزيادات التي أقرَّت للعسكريين في الخدمة الفعلية والمتقاعدين. إذ إنّ المجلس وافق على إعطاء «المنح المالية للعسكريين والتي تبلغ 14 مليون ليرة لمن هم في الخدمة، و12 مليون ليرة للمتقاعدين»، وبغضّ النظر عن التبريرات، فالمواطن سيدفع مباشرة قيمة الزيادة المقرّة في جدول تركيب الأسعار، وأصحاب المحطات ملزمون بالتسعير وفق الجدول.
اما من وجهة نظر مصادر حكومية فإن رفع أسعار المحروقات بقيمة 100 ألف ليرة أتى انطلاقاً من اعتبار أن الأسعار الحالية للمحروقات، رغم الزيادة، ما زالت أدنى مما كانت عليه في فترات سابقة حين شهدت الأسعار العالمية ارتفاعاً كبيراً. أما ومع تراجع الأسعار عالمياً، فقد شهدت الأسعار في لبنان أيضاً انخفاضاً ملحوظاً، ما دفع الحكومة إلى استغلال هذا الهامش وفرض الزيادة بهدف تأمين إيرادات إضافية، لتمويل منح مالية للعسكريين.
وبحسب المعلومات أيضا، فإن الحكومة تعتبر أن هذه الزيادة لا تُبرّر رفع أسعار النقل من قبل التجار، لا سيما أنهم لم يعمدوا إلى خفض الأسعار سابقاً عندما تراجعت أسعار المحروقات عالمياً. وبالتالي، ترى الحكومة أن هوامش الربح للتجار لا تزال قائمة، ولا ينبغي تحميل المواطنين عبئاً إضافياً في هذا الإطار.
من جهتهم، رفضَ العسكريون المتقاعدون الزيادة التي أقرَّت لهم ولزملائهم في الخدمة الفعلية، وبالتوازي، رفضوا زيادة أسعار المحروقات. لأنّ ما أقرَّ لهم، لا زال مجحفاً، أمّا الزيادة على أسعار المحروقات، فستطالهم وستمتص القدرة الشرائية لرواتبهم الحالية مع الزيادات المقرَّة. وأشار أمين سرّ الهيئة الوطنية للمتقاعدين العسكريين، عماد عواضة، إلى أنّ «الدولة تضعنا اليوم في مواجهة الناس من خلال تبرير رفع أسعار المحروقات بتأمين التمويل لزيادة الرواتب، وهو أمر مرفوض من قِبَلنا، أولاً لأنّ نسبة الزيادة المقرّة غير كافية، وكنّا قد طالبنا بزيادة لا تقلّ عن 20 مليون ليرة، على أن يليها زيادة راتبين أو ثلاث رواتب كل 3 أشهر، إلى حين وصول الرواتب إلى 50 بالمئة من قيمة رواتبنا التي كنا نقبضها حتّى العام 2019».
وأوضح عواضة أنّ ما حصل من ربط بين زيادة أسعار المحروقات ورواتب العسكريين، هو «لعبة أرادوا بها إعطاءنا الزيادات ووضعنا بمواجهة مع الناس. لكن نحن نرفض هذا الأمر، وسنقوم بتصعيد تحرّكاتنا، وأبلغنا رئيس الجمهورية ووزير الدفاع بأن التحركات المقبلة ستكون غير متوقّعة».
واستنكر منسق «حراك المعلمين المتعاقدين» حمزة منصور، في بيان، «قرار مجلس الوزراء اللبناني، بمبادرة من رئيسه، فرض زيادات مجحفة على أسعار المحروقات، بلغت 100 ألف ليرة على صفيحة البنزين، و174 ألفًا على صفيحة المازوت، دون أن يرفّ لهم جفن، أو تهتزّ فيهم نخوة، كأنّ الشعب اللبناني لا يكفيه ما يتلقّاه يوميًا من أوجاع ومظالم، تُنهك كاهله، وتفتك بما تبقى من قوّته وصبره».
وناشد منصور «أبناء شعبنا الأبيّ وكل القوى النقابية، وعلى رأسها الاتحاد العمالي العام، وكافة الروابط التعليمية والهيئات المدنية، للوقوف صفًّا واحدًا في وجه هذه السياسات المجحفة، والنزول إلى الساحات ورفع الصوت عاليًا رفضًا لما يجري من إذلال ممنهج لا يمتّ إلى الوطنية بصلة، ولا ينسجم مع أبسط معايير العدالة والكرامة الإنسانية».
ومن أبرز القطاعات التي ستتأثّر مباشرة بزيادة أسعار المحروقات، هو قطاع النقل. واشار رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس إلى أنّ الاتحادات ستعقد اجتماعاً يوم الأربعاء المقبل للتشاور واتخاذ القرار في هذا الشأن.
وأوضح طليس في بيان أنّه «فيما كانت حكومة الاصلاح والإنقاذ تبحث عن إيرادات لتصلح بها أمور الدولة ولتنقذ برسومها خزينتها، لم تجد أمامها إلا أبواب المواطنين وطبقة السائقين لتفرض عليهم رفع أسعار المحروقات ولتضيف على كاهلهم أعباء فوق أعبائهم الناتجة عن عدم تطبيق القانون وحماية القطاع من اللوحات العمومية المزورة والسيارات الخصوصية التي تسرح وتمرح بلا حسيب أو رقيب».
ولا يقتصر تأثّر قطاع النقل على نقل الركّاب، بل إنّ نقل السلع والبضائع يعتمد على أسعار المحروقات، وتالياً من المنتظر أن تشهد أسعار السلع ارتفاعاً في الأسواق، ومن بينها قطاع الأفران ومن غير المستبعد أن نشهد مطالب برفع أسعار الخبز ومنتجاته.
من الواضح ان الحكومة تسرّعت بقرارها، ولم تقم بتحديد تفاصيله التي تمنع المستغِلّين من مراكمة الأرباح على حساب المواطنين الذين هم سيدفعون الثمن في النهاية.