اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٢ كانون الأول ٢٠٢٥
نوال أبو حيدر
يشهد القطاع المصرفي اللبناني مرحلة دقيقة نتيجة أزمة السيولة المستمرة منذ سنوات، والتي أثّرت بشكل مباشر على قدرة المودعين على سحب ودائعهم بحرية. في هذا السياق، جاء قرار مصرف لبنان برفع سقف السحوبات النقدية وتوسيع آليات استخدامها عبر البطاقات ليشكّل خطوة تدريجية تهدف إلى منح المودعين جزءا من حقوقهم، وتحريك النشاط الاقتصادي دون الإضرار بالاستقرار النقدي. كما تترافق هذه الإجراءات مع إجراءات رقابية وتشريعية، مثل تفعيل قانون رفع السرية المصرفية، لتوفير شفافية أكبر وتعزيز قدرة الجهات الرقابية على التدقيق المالي، بما يعكس محاولة لموازنة الحقوق الفردية للمودعين مع الحاجة إلى إدارة سليمة للسيولة في السوق المصرفية.
رغم الأهمية الظاهرية لرفع سقف السحوبات وتوسيع استخدام البطاقات، تبقى تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة هذه الإجراءات على معالجة جذور أزمة السيولة واستعادة ثقة المودعين. فإلى أي حدّ يمكن لهذه الخطوات تخفيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية دون أن تزيد الضغط على السيولة المحدودة؟ وهل تشكّل هذه الإجراءات حلّا مؤقتا محكوما بسقف القدرة على الضخ، أم أنها تمهّد لمسار أكبر لإعادة تنظيم العلاقة بين المصارف والمودعين ضمن إطار تشريعي وهيكلي أكثر شمولية؟
توسيع السحوبات وتعزيز الاقتصاد
في هذا الإطار، يؤكد مستشار وزير المالية ياسين جابر ورئيس لجنة الرقابة على المصارف السابق الدكتور سمير حمود في حديث لـ«اللواء» أن «الفروقات تتمثل بالـ200 والـ100 دولار الإضافية، إضافة إلى شمول عدد من المؤسسات الفردية والجمعيات المرخصة، ما قد يؤدي إلى ارتفاع عدد المستفيدين من نحو 350 ألف حساب إلى ما يقارب 400 ألف حساب، ويجعل حجم السحوبات الشهرية حوالى 40 مليون دولار بدلا من 35 مليونا. ولن يكون ضخ النقد الإضافي كبيرا، علما بأن البطاقات تتحول أيضا إلى نقدي، والسوق قادر على تحمّلها دون أن يعني ذلك حصول تضخم، بل إن ذلك يساعد على الإنفاق وزيادة حجم الاقتصاد أو الناتج المحلي. أما الـPOS فلا يساعد على امتصاص النقد، لكنه يبقى الخطوة الأولى نحو التحول من تداول النقد، وستكون الخطوات التالية محصورة بالبطاقات، مساهمة في محاربة الاقتصاد النقدي».
رفع السرية المصرفية
وفي سياق متصل، يعتبر أنه «أصبح قانون رفع السرية المصرفية نافذا، لكن تطبيقه يبقى محصورا بمصرف لبنان ولجنة الرقابة وإدارة الضريبة والقضاء، وكل ذلك يأتي في إطار محاربة تبييض الأموال، لا بهدف منح حرية رفع السرية المصرفية خارج هذه الغايات المحددة. ويبقى مؤكدا أن الجهات الرقابية باتت قادرة على إجراء التدقيق من دون القيود التي كانت تفرضها السرية المصرفية سابقا».
ماذا عن الحسابات المشتركة؟
وعن الحسابات المشتركة، فيوضح حمود أنه «لم يتضمن التعميم أي إضافة تتعلق بالحسابات المشتركة، التي تبقى محدودة بحصة كل مودع في حسابه الفردي أو المشترك، بحيث يكون مجموع ما يحق للمودع سحبه هو رصيده في الحساب الفردي مضافاً إلى حصته من الحساب المشترك في جميع المصارف».
مستقبل السحوبات المصرفية
وفي سياق ترقّب الخطوات المقبلة ضمن السياسة النقدية المعتمدة، يقول إنه «من الممكن أن ترتفع سقوف السحوبات في عام 2026 إذا لم يصدر قانون استرداد الودائع، أما في حال صدوره فسيُحدّد سقف السحوبات وفقا لما يتضمنه هذا القانون».
أثر السحوبات على السيولة
في ضوء التحديات المستمرة في السيولة المصرفية وضغوط المودعين على النظام المالي، يشدّد حمود على أن «السحوبات النقدية أو عبر البطاقات لا تمتص السيولة، بل على العكس تزيدها، ويظل الهدف منها منح المودع جزءا من حقوقه ضمن قدرة مصرف لبنان والمصارف على ضخ السيولة، إذ تكمن المشكلة الحقيقية في عدم توافر السيولة الكافية لتلبية حاجة المودعين في سحب ودائعهم بحرية وفق أصول العمل المصرفي وحقوق المودعين».
في خلاصة الأمر، يمكن القول إن رفع سقف السحوبات وإنشاء آليات السماح باستخدام البطاقات يشكل خطوة إيجابية ضمن المسار التدريجي لإدارة أزمة السيولة في لبنان، إذ يوفر للمودعين قدرة محدودة على الوصول إلى جزء من ودائعهم ويعزز القدرة على الإنفاق وتحريك بعض القطاعات الاقتصادية. ورغم أن هذه الإجراءات لا تمثل حلّا نهائيا للأزمة ولا تلغي الحاجة إلى إصلاحات هيكلية وتشريعية أوسع، فإنها تمثل نقطة انطلاق نحو تقليص الاعتماد على النقد وتعزيز الشفافية والرقابة المصرفية، بما يتوافق مع الأطر القانونية. وفي ضوء هذه الخطوات، يظل التحدي الأساسي قائما في كيفية إيجاد توازن مستدام بين تلبية حقوق المودعين والحفاظ على استقرار النظام المالي، ما يجعل متابعة التطورات المقبلة في السياسة النقدية والتشريعات المصرفية أمرا حيويا للقطاع والاقتصاد الوطني على حدّ سواء.











































































