اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الأخبار
نشر بتاريخ: ١١ كانون الثاني ٢٠٢٥
تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي التوغل بالقرب من شريط الفصل في الجنوب السوري، فيما دمّرت، حتى الآن، نحو 65% من النقاط العسكرية ضمن القرى الواقعة في تلك المنطقة، وخاصة التي تقع عند المستوى الصفر وصولاً إلى عمق 8 كيلومترات، وسط ترجيح السكان بأن «النشاط» الإسرائيلي سيتواصل حتى تدمير كامل هذه المباني. وتفيد مصادر أهلية من قرية مزرعة حيران، «الأخبار»، بأن «قوات الاحتلال انسحبت من القرية صباح أمس بعد أن دمّرت كامل المباني التي كان يستخدمها الجيش السوري في عهد السلطة السابقة»، في حين يقول ضابط سابق في الجيش المنحل، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «غالبية النقاط التي كانت تنتشر بالقرب من قرى شريط الفصل مع الجولان المحتل هي من الوحدات الاختصاصية بـمضادات الدروع، والتي تركت خلفها مستودعات فيها عدد كبير من الصواريخ من طرازي ميتس وكونكورس»، مرجّحاً أن «يكون جيش الاحتلال أفرغ تلك المستودعات، ولم يتم تفجيرها».
ومع تمركز القوات الإسرائيلية في الداخل السوري في 15 نقطة موزّعة ما بين القنيطرة ودرعا، تشير التقديرات إلى أن عدد عناصرها يراوح بين 550 و650 عنصراً من رتب مختلفة. وبحسب المعلومات، فإن أعلى الرتب العسكرية التي ظهرت أمام سكان المنطقة هي «المقدم سامر»، الذي يتحدث العربية بطلاقة، علماً أنه التقى عدة مرات بسكان محليين في قرى حوض اليرموك جنوب درعا. وفي ظلّ حالة «الصمت» الذي تنتهجه «الإدارة السورية» الجديدة، بقيادة أحمد الشرع، حيال الانتهاكات الإسرائيلية، تشير مصادر أهلية من بلدة الحميدية في ريف القنيطرة، في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أن «سيارة يبدو أنها تتبع لإدارة العمليات العسكرية، دخلت ظهر أمس من مدينة البعث في اتجاه مبنى المحافظة الواقع في الطرف الغربي من المدينة، حيث تتمركز قوات الاحتلال». وتضيف المصادر أن «السيارة التي لم تُعرف هوية من يستقلها، مكثت لأزيد من ساعة في النقطة المشار إليها قبل أن تعود من الطريق نفسه»، معتبرة أن هذه الحادثة تشير إلى احتمال «وجود تواصل مباشر» بين «هيئة تحرير الشام»، التي باتت تحكم سوريا في ظل «الإدارة الجديدة»، وقوات الاحتلال الإسرائيلي التي تنشط ضمن ما تسميه حكومة الكيان بـ»المنطقة العازلة».
وبالتزامن مع ذلك، منعت وزارة الإعلام في «الحكومة المؤقتة» دخول وسائل الإعلام إلى الجنوب إلا بموافقة خطية من وزير الإعلام، محمد العمر، على أن يتم الاطّلاع على المادة المنتجة قبل بثها. واقتصرت الموافقات المتصلة بالبث المباشر من المناطق القريبة من الانتشار الإسرائيلي، على ما يُسمى بـ»الإعلام الموثوق» فقط، ما يُفهم على أنه محاولة لمنع وصول حقيقة ما يجري في المنطقة.
تتابع الحكومة المؤقتة محاولة فرض قبضتها الأمنية في مناطق الجنوب
وعلى خط مواز، تتابع الحكومة المؤقتة محاولة فرض قبضتها الأمنية في مناطق الجنوب. وفي هذا الإطار، أكّد القيادي في «إدارة العمليات العسكرية»، أبو صهيب الجنوبي، في تصريحات إعلامية، نشر نقاط في بلدة طفس في ريف درعا الغربي ومنطقة اللجاة في الريف الشمالي الشرقي للمحافظة، وذلك بهدف ضبط ما سماه «تسجيل اقتتالات وعمليات اغتيال». وكانت دخلت تعزيزات أمنية وعسكرية إلى منطقة اللجاة، تصفها مصادر عشائرية، في حديثها إلى «الأخبار»، بـ»الضخمة»، الأمر الذي يُعتبر بمثابة محاولة لإحكام السيطرة على المنطقة «غير الآمنة» بالنسبة إلى «الإدارة»، لانعدام الثقة بالقيادي أحمد العودة»، الذي سمّى نفسه قائداً لـ»غرفة عمليات الجنوب»، قبل سقوط النظام بأيام قليلة، منقلباً على واقع كان فيه يشغل منصب «قائد اللواء الثامن»، في الفيلق الخامس الذي أسّسته روسيا ضمن قوام الجيش السوري. وفي هذا السياق، يقول مصدر عشائري، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «الواقع الأمني في درعا لا يمكن أن يستقر للشرع وإدارته خلال فترة قصيرة، وعمليات الاقتتال قد تكون السمة العامة للمشهد في الجنوب على خلفية عدم قبول قادة العديد من الفصائل التي انضمت إلى غرفة عمليات الجنوب تسليم السلاح والانخراط في الجيش». ويرجّح المصدر أن تكون «الملفات المرتبطة بسيطرة هذه المجموعات على طرق التهريب المتعددة الأشكال، واحداً من أهم أسباب الاقتتال، إذ لن يقبل أي من قادة الفصائل التخلي عن تجارته ومصادر نمو ثروته لصالح الانخراط في الجيش، والبحث عن مقابل هو الأساس في أي مسألة سياسية».
وفي سياق السعي لفرض السطوة الأمنية على الجنوب أيضاً، عيّنت إدارة العمليات العسكرية «مسؤولاً أمنياً»، في مدينة نوى القريبة من المناطق التي تحتلها إسرائيل، علماً أن توصيف «المسؤول الأمني» كان مستخدماً من قِبل «جبهة النصرة»، خلال سيطرتها في إدلب. ولا ينحصر استخدام هذا التوصيف في درعا فحسب، وإنما هو حالة عامة تشير إلى أن «الإدارة الجديدة»، وعلى الرغم من تصريحاتها المستمرة حول التعامل بـ»عقلية الدولة»، تصر على على استخدام عقلية «التنظيم الجهادي» في إدارة الدولة، والتي تقوم أولاً على التخلص من أي تهديد لبقاء التنظيم في السلطة، الأمر الذي يفسر الحراك المحموم تجاه جمع السلاح من المناطق التي تعتبرها «غير موثوقة»، أو «غير مستقرة».
أما السويداء فتشهد، من جهتها، وضعاً مختلفاً عن بقية الأراضي السورية، حيث لا يزال قادة الفصائل المحلية يرون أنه «من المبكر» التوجه لتسليم السلاح. وفي هذا الإطار، يقول شيخ عقل طائفة «الموحدين الدروز» في سوريا، يوسف الجربوع في حديث إلى «الأخبار»، إن «هناك توافقاً في الرؤية لدى المرجعيات الدينية حول آلية التعامل مع الحكومة السورية المؤقتة، لكنّ هناك تبايناً في الآراء في ما يتعلق بالحكومة المستقبلية، رغم الاتفاق على التعامل مع الحكومة القادمة بما يخدم المصلحة العامة». وينفي الجربوع وجود «رفض مطلق» لتسليم السلاح من قبل الفصائل إذا ما تشكّل جيش قادر على حماية البلاد، ولكنه يعتبر أن الأمر «لا يزال مبكراً. وطالما لا يوجد بديل لحماية المحافظة فلن تذهب الفصائل إلى تسليم السلاح».
وفي السياق نفسه، يقول قائد «قوة مكافحة الإرهاب»، التي تُعد الجناح العسكري لـ»حزب اللواء» السوري، فريد حمايل، في حديث لـ»الأخبار»، إن «البحث عن سوريا جديدة يستوجب على كامل القوى أن تبدي استعدادها لبناء الجيش السوري الجديد الذي سيكون جامعاً لجميع الأطياف»، داعياً الفصائل المحلية في السويداء إلى «الاندماج في ما بينها لتشكيل جسم عسكري موحّد في المحافظة للاستعداد للانضمام إلى الجيش السوري حين تشكّله»، مشيراً، في الوقت نفسه، إلى أن «اللواء السوري»، ينسّق مع القوى السياسية في السويداء وخارجها لمناقشة المرحلة القادمة والدور الفاعل في بناء سوريا.