اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ٦ نيسان ٢٠٢٥
في المركز الثقافي 'عاليه'، تداعى نخبة من المثقفين عصر امس السبت، الى عقد لقاء جرى فيه عرض ونقاش كتاب 'فكرة الله' بحضور مؤلفه الدكتور وجيه قانصو، الذي قدّم عرضا وافيا لمحتوى كتابه القيّم والفريد في عنوانه وموضوعه.
بداية، رحب مدير المركز الدكتور حسام نصار بالحضور واكّد على اهمية عقد مثل هذه اللقاءات التي من شأنها ان تغني الحياة الثقافية في البلاد، ثم قدّم الدكتور جمال نعيم الذي قدّم عرضا موجزا للكتاب ناقش فيه بعض عناوينه واجزائه، مؤكدا ان كتاب 'فكرة الله' غايته ليست اثبات وجود الله او عدمه، انما عرض أفهوم الله عبر التاريخ.
ثم تحدث مؤلف الكتاب الدكتور وجيه قانصو، فعرض كيف نشأت وتطورت فكرة الله، ومما جاء في عرضه: لا نستطيع الحديث عن الله بوصفه موضوعا او ذاتا، بالمقابل هناك سؤال ورغبة داخل كل انسان ان يتعرّف على الله، والمسألة هي عندما تصل الفكرة الى حد الاشباع والتوحش وعندما يصبح الله مادة للقمع والقتل، فينشأ صراع داخل الانسان بين الله مصدر النقاء ومثال الخير، وبين الذي نجده مادة سياسية ومادة استبداد وقمع وقتل.
ولفت قانصو الى ان مؤلفه هو اختبار ذاتي، هو تجاوز لنظام حقيقة استقرّ، واطار معنى ثابت لفكرة ما، فباتت حقيقة لا تترك فسحة للتفكير فيها، بل فكرة محصنة بمغريات النعيم الابدي، او ادوات ردع وعقاب والحكم بالردة والقتل غير الرحيم، هي فكرة يراد منها الطمأنينة واليقين وتوقف الزمن والتاريخ، ما استلزم استكانة للعقل او اقالة طوعية منه، 'فالعقل يقيل نفسه عندما يوفّر مقدمات الشريعة' كما قال الغزالي، ويصبح دور العقل الدفاع وحراسة عن هذه الحقيقة، بوصفه عقل متكلّم لا عقل مستكشف، مؤطر باطار تاريخي خاص، فتتحول فكرة الله الى سلطة، او ايديولوجيا لترسيخ نمط فهم سائد، ويتحول الى مفهوم اجتماعي، حتى ان 'دوركان' قال ان فكرة الله أصلها اجتماعي.
وشرح قانصو ان المشكلة في المفهوم الاجتماعي لفكرة الله هي ان المجتمع لا يرقى حينها الى الفكرة المثالية المتعالية لله، بل يخفض الله الى مستوى البشر، فتصبح كل جماعة تدافع عن إلاهها الذي اخترعته وسمته الله حصرا، وهذاالتحوّل الى مفهوم اجتماعي يقتضي الولاء والانتماء لجماعة خاصة، فيحقق غرضه السياسي كمقولة ارهاب واكراه، وهذا المفهوم يتعرض باستمرار للتآكل والتجوّف من الداخل، لانه يفقد معناه ومضمونه وعمقه الوجودي، مع العلم ان السؤال الوجودي والبحث عن المعنى اقوى من مسألة الامن والطمأنينة، وهذا يفسّر لماذا ان فكرة الله لم تستقرّ على معنى عبر التاريخ لان سؤال معنى الوجود يتدفق عبر التاريخ، وبالتالي فان التفكير بفكرة الله لم يتوقف كذلك، والايمان بالله لم يهدىء من روع القلق الانساني.
وعرض قانصو للتناقض الحاصل بين المعنى الاجتماعي لله والمعنى الوجودي، الحرية النسانية مقابل القدرة الالهية، الفعل الاخلاقي مقابل الارادة الالهية، حتى وصل الامر ببعض الفقهاء للقول انه ليس بلضرورة ان يكون فعل الله اخلاقيا، ففصلوا بذلك الفعل الاخلاقي عن الفعل الالهي!..
وبرأي قانصو ان هذا التناقض الاخير دفع للبحث عن ارضية تفكير مختلفة، تؤسس لفهم جديد لمعنى حقيقة الله، فخرج الوحي عن كونه مرجعا للفكر لصالح العلم، لكن الدين بقي بوصفه ضرورة لفهم العالم والمجتمعات، وبهذا اصبحت قواعد الرياضيات والقواعد العلمية والعقلية هي الادوات الفكرية المتبعة، والله هو من بديهيات العقل او ثمرة معطيات حسية، وانتقل الله من كونه غاية وحقيقة ايمانية، الى ان يكون حاجة وظيفية أوحقيقة فكرية تفصل بين المنطق والواقع، فاستحال اقامة اي دليل انطولوجي مؤسّس على فكرة الله، فالفكرة عن الله بوصفه كائنا كاملا لا متناهيا اساسها منطقي، ولا يمكن اثياتها في وجود الله الواقعي كبديهة اولى، وكذلك ادى الى القول بقصور دليل التصميم عن اثبات وجود الله الكلي القدرة، كونه دليل استخلص من التشابك بين نشاط الانسان وفعل الله، ولا يثبت في احسن احواله سوى عن وجود مصمم ذكي استخدم المادة والقوة لتحقيق اغراضه والمصمم لا يعني انه هو الله، مع العلم ان هذا المصمم الذكي يمكن ان يكون الله اللامتناهي، غير ان الانتقال من 'المصمم' الى الله المطلق هو قفزة منطقية كبيرة في الفراغ، لذلك فان هذا النمط من التفكير اقفل باب اثبات وجود الله، ولهذا فان الفلاسفة والمفكرين في القرن التاسع عشر اصبحوا يستخدمون مصطلح فكرة الله.
هذه النقلة النوعية كما وصفها الدكتور قانصو شرعت الاسئلة من كل حدب وصوب حول صفات الكمال الالهية، والتناقض بينها، من قبل تعارض الخيرية الكاملة مع قدرة الله نفسه، كمسألة وجود الشرّفاما الله لا يقدر ان ينزعه او لا يريد ان ينزعه، وبالتالي وقعت هذه الاشكالية، وعلم الله بالمستقبل وقدرته على منعه، وبالتالي وقعت مشكلات منطقية لا حصر لها وتعارض حرية البشر وخياراتهم مع معرفة الله.