فقر الدم الانحلالي... معركة خفيّة داخل الدم!

فقر الدم الانحلالي هو أحد أنواع فقر الدم الناتجة من تدمير كريات الدم الحمراء، بمعدل أسرع من قدرة الجسم على إنتاجها. في الحالة الطبيعية، تعيش خلايا الدم الحمراء حوالى 120 يومًا قبل أن يتم تكسيرها في الطحال، ولكن في حالات فقر الدم الانحلالي، يتم تدمير هذه الخلايا قبل أوانها، مما يؤدي إلى نقص في أعدادها داخل الدورة الدموية، وبالتالي يقلّ مستوى الأوكسجين الذي يصل إلى أنسجة الجسم.

تنقسم حالات فقر الدم الانحلالي إلى نوعين رئيسيين: النوع الوراثي، الذي ينتج من خلل جيني يؤثر في بنية كريات الدم الحمراء أو مكوناتها، مثل فقر الدم المنجلي والتلاسيميا؛ والنوع المكتسب، الذي ينشأ نتيجة عوامل خارجية مثل أمراض المناعة الذاتية، أو العدوى، أو تناول بعض الأدوية، أو التعرض لمواد سامة. وفي بعض الحالات، لا يمكن تحديد سبب واضح، فتُصنّف الحالة على أنها مجهولة السبب.

تتنوّع أعراض فقر الدم الانحلالي، وتختلف حسب شدّة المرض وسرعة تطوره، لكنها غالبًا تشمل الشعور بالتعب والإرهاق المستمر، شحوب البشرة، ضيق التنفس، سرعة ضربات القلب، والدوخة. وقد تظهر أعراض أخرى مثل اصفرار الجلد والعينين (اليرقان)، وتضخم الطحال أو الكبد، والبول الأدكن، نتيجة تراكم نواتج تكسير الهيموغلوبين في الجسم.

يعتمد تشخيص فقر الدم الانحلالي على الفحص السريري والتحاليل المخبرية، وأبرزها تعداد الدم الكامل (CBC)، واختبار الهيموغلوبين، ومستوى البيليروبين، وإنزيم اللاكتات ديهيدروجيناز (LDH)، بالإضافة إلى اختبار كومبس المباشر وغير المباشر الذي يكشف عن وجود أجسام مضادة تهاجم خلايا الدم الحمراء في الحالات المناعية. كما يمكن أن تُطلب فحوص جينية أو خزعة من نخاع العظم في الحالات المعقدة.

هذا ويُبنى علاج فقر الدم الانحلالي على سبب المرض ونوعه. ففي الحالات المناعية، يتم استخدام الكورتيكوستيرويدات (مثل البريدنيزون) لتقليل نشاط الجهاز المناعي، وفي بعض الحالات تُستخدم أدوية مثبطة للمناعة أو يتم اللجوء إلى استئصال الطحال. أما في الأنواع الوراثية، فقد يحتاج المريض إلى عمليات نقل دم دورية، أو في بعض الحالات الخضوع لزراعة نخاع العظم. كما يوصى بعلاج المضاعفات المرافقة، مثل انخفاض الحديد أو ارتفاع البيليروبين.

كما لا يمكن إغفال الأثر النفسي والاجتماعي لهذا النوع من فقر الدم، إذ قد يضطر المريض إلى التعايش مع أعراض مزمنة أو اتباع علاجات طويلة الأمد. لذلك، من الضروري دعم المرضى نفسيًا وتثقيفهم صحيًا حول طبيعة المرض، وضرورة المتابعة الطبية الدورية، والالتزام بالعلاج، وتجنّب المحفزات التي قد تزيد من سرعة انحلال الدم.

أخيراً، يُعدّ فقر الدم الانحلالي حالة طبية تتطلب تشخيصًا دقيقًا وعلاجًا مخصصًا لكل حالة على حدة. ومع التقدم الطبي المستمر، أصبحت آفاق السيطرة على المرض والحدّ من مضاعفاته أفضل بكثير، مما يمنح المرضى فرصة لحياة أكثر استقرارًا وصحة.