الدولار والسياسة: فك ارتباط جزئي واستقرار حذر

يُحافظ سعر صرف الدولار على استقراره خلال الأسابيع الأخيرة تحت عتبة الـ 95000 ليرة وذلك بفضل التدخل المباشر من مصرف لبنان عبر شرائه الليرة اللبنانية مقابل ضخ الدولار. وفي الوقت الذي لا يُعتبر فيه هذا الاستقرار الحالي مؤشراً نهائياً على المسار العام للعملة الخضراء بسبب التحديات الكثيرة التي يواجهها سعر الصرف خصوصاً في المرحلة المقبلة، إلا أن الهدوء النسبي في السوق الموازية بات ملحوظاً على الرغم من استمرار الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية على حالها.

أسباب هذا الاستقرار تعود بالدرجة الأولى إلى الاجراءات والتدابير التي لا يزال يعمل بها مصرف لبنان للحدّ من تجارة الدولار في السوق السوداء، أبرزها السيطرة على السيولة النقدية عبر تجفيف السوق من الليرة اللبنانية مستعيناً بمنصة 'صيرفة' التي لا يزال 'المركزي' يستخدمها كأداة رئيسة لضخ الدولار عبرها في السوق موازياً إلى حد كبير بين العرض والطلب وهو ما ظهر جلياً من خلال تراجع قيمة الكتلة النقدية المتداول بها بالليرة. أما عن مصدر هذه الدولارات، فعلى الرغم من أن مصرف لبنان لا يفصح عنها بصورة صريحة إلا أن المخزون الذي جمعه في الأشهر الماضية لا يزال يمنحه القدرة على توفير الدولارات المطلوبة التي تمنع العملة الخضراء من اتخاذ أي منحى تصاعدي جديد. وبالتالي، فإن الضخ المرتفع للدولار عبر المنصة، والذي بلغ متوسط حجم التداول اليومي عليها 161 مليون دولار مقابل متوسط بقيمة 82 مليون دولار منذ بداية العام 2023، يطغى بمفعوله على كل من الأزمة الرئاسية والتأخر في العملية الاصلاحية.

كما أن سعر صرف الدولار الذي خالف التوقعات وبقي هادئاً بعد انتهاء جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، لم يتأثر كثيراً بالأجواء التي رافقت العملية الانتخابية لا سيما وأن نتيجة الجلسة لم تشكل أي خضة إيجابية أو سلبية، بل إن نتائجها كانت متوقعة. فالاهتمام الخارجي بالأزمة الرئاسية ومحاولة انضاج التسوية من أجل انتخاب رئيس جديد لانهاء الفراغ الرئاسي يمنحان جواً من التفاؤل بقرب حلحلة الأزمة السياسية ويُبقيان الدولار في دائرة الاستقرار إلى حين بلورة المساعي العربية والدولية.

من جهة أخرى، يستعد الدولار في لبنان لموعد جديد مع المغتربين والموسم السياحي هذا الصيف وما سينتج عنه من عمليات ضخ للدولار في السوق على مدى شهرين، إذ سيشكل ذلك إلى جانب دولارات المصرف المركزي جرعة دعم لسعر الصرف للحفاظ على استقراره، فضلاً عن دولار رواتب القطاع العام التي تُسحب وفقاً لسعر صرف المنصة ومن ثم بيعها لدى الصرافين، إلى جانب رواتب القطاع الخاص التي تتضمن جزءاً لا يُستهان به من الدولار.

على الرغم من تراجع احتياطيات مصرف لبنان من النقد الأجنبي بحوالي 50 مليون دولار خلال النصف الأول من حزيران الجاري لتصل قيمتها إلى 9.4 مليارات دولار، يُحافظ الدولار على مستوياته المستقرة منذ ثلاثة أشهر ومن المتوقع أن يبقى كذلك في المرحلة المقبلة ما دام مصرف لبنان لن ينسحب من السوق ومدججاً بسلاح 'صيرفة'، بالتزامن مع الاتفاق الضمني بين الفرقاء السياسيين بعدم التصعيد لطمأنة الأسواق قليلاً.

صحيح أن عوامل الاستقرار لا تزال متوافرة غير أن ذلك لن يكون كافياً لردع سعر صرف الدولار عن الارتفاع من جديد متى توافرت الأسباب لذلك، والتي تشمل تراجع كمية الدولار التي يمتلكها المصرف المركزي لزوم ضخها في السوق، ازدياد الطلب على الدولار في السوق السوداء، أي تصادم سياسي مفاجئ، وأي مصير غامض لحاكمية مصرف لبنان. فالوضع الاقتصادي لا يزال صعباً جداً وهناك حاجة ماسّة إلى إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية من أجل التصدي للمشكلات الحالية وإجبار سعر صرف الدولار على المزيد من التراجع وفقاً لضوابط اقتصادية ونقدية متينة.