اخبار لبنان
موقع كل يوم -صحيفة الجمهورية
نشر بتاريخ: ٢٤ أيار ٢٠٢٥
يرى مصدر ديبلوماسي، لبلاده متابعة دؤوب لما يحصل في المنطقة ولبنان، أنّ مرحلة الضبابية وعدم الاستقرار القائم سببهما سوء إدارة الملف سياسياً من جانب الإدارة الأميركية التي تشكو من انعدام الرؤية الواضحة لواقع الأرض.
ويضيف هذا المصدر: «صحيحٌ أنّ للولايات المتحدة اليد الطولى في العالم، وأنّ اسلوب رئيسها دونالد ترامب يفرض ايقاعاً مختلفاً على مسرح السياسة الدولية، وأنّ دولاً وقوى تستجيب لشروطه بهدف حماية نفسها من أعداء محتملين، أو اتقاءً لغضبه وما يخلّفه من تداعيات لا قدرة لها على احتمال نتائجها، أو لرغبة الاستقواء به على آلاخرين». ويقول، إنّه حيال الترقّب الصيني الحذر جداً من واشنطن ونياتها، وخلفيات التوتر غير المنتظر بين باكستان والهند، وانشغال روسيا بالهمّ الاوكراني ورماله المتحركة، وجدت إيران نفسها مضطرة لتغيير تكتيكاتها بالنسبة إلى الملف النووي، والتعاطي مع ترامب بمرونة، ومحاولة استيعاب هجمته الجموح بالذهاب إلى حوار قد ينتج تفاهماً. لكن الغرب، وخصوصاً أوروبا، لم يعد قادراً على السكوت على استمرار إسرائيل في جرائمها ذات الطابع الإبادي في قطاع غزة واحتلالها للتلال الخمس في لبنان وعدم توقف غاراتها الجوية على قرى الجنوب وبلداته التي تقتل البشر وتدمّر الحجر. من هنا يأتي الموقف الحازم والواضح والصاخب في آن لعدد من الدول الاوروبية، ما أثار حفيظة تل أبيب وانزعاج الإدارة الاميركية، خصوصاً أنّ الاستعدادات للاعتراف بالدولة الفلسطينية وحل الدولتين من جانب نواة أوروبية صلبة تتشكّل من فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، وإيرلندا، والمرجح أن تنضمّ اليها معظم دول الاتحاد الأوروبي بإستثناء ألمانيا والمجر قائمة على قدم وساق، وذلك قبل اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك في الثامن عشر من حزيران المقبل، حيث ستُطرح القضية الفلسطينية.
ويتوقف المصدر الديبلوماسي عند ما يسمّيه تشتت الأدبيات الأميركية حيال عدد من المواضيع المطروحة في المنطقة. فمورغان اورتاغوس نائبة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، وبطبيعة الأمر إلى لبنان، تطلق التصريحات المتشددة التي تعطي إسرائيل مزيداً من الذرائع لمواصلة اعتداءاتها، والضغط بالنار على لبنان للتنازل اكثر فأكثر، ودفعه نحو مسارات يحاذر دخولها مثل التطبيع، والانضمام إلى «اتفاقات ابراهام». وفي حساباتها أنّ موقف الرئيس الانتقالي لسوريا أحمد الشرع الإيجابي من هذين الأمرين، قد يساهم في تليين موقف لبنان الذي يعطي الأولوية المطلقة حالياً لانسحاب قوات الدولة العبرية من أراضيه بدءاً من التلال الخمس التي احتلتها جنوباً. في حين أنّ أحاديث اورتاغوس لدى تجوالها على المسؤولين اللبنانيين لا تعكس الحدّة التي تشوب تصريحاتها قبل وصولها إلى بيروت، كما انّ ممثل الولايات المتحدة الأميركية في اللجنة المكلّفة مراقبة وقف إطلاق النار وتطبيق القرار الدولي الرقم 1701 ينشط من أجل حمل تل أبيب على الالتزام به وعدم تصعيد الموقف، لأنّها وحدها التي تقوم بخرق القرار، وأنّ ما يبديه أحياناً من تشنج في اجتماعات اللجنة يكون قابلاً للمعالجة.
وبحسب هذا المصدر، أن يتكلم مارك روبيو رئيس الدبلوماسية الأميركية، غير أن تصرّح اورتاغوس الموظفة، على أهمية المنصب الذي تشغل.
ويقول ديبلوماسي لبناني خدم طويلاً في عدد من البلدان الغربية وآلاسيوية، وعلى معرفة بالسياسة الخارجية الأميركية، إنّ لبنان وبلدان الشرق العربي في تخبّط سياسي أدّى إلى تغيير المشهد العام، وقد يؤدي إلى تغيير الخرائط، والسبب في ذلك هو سوء تعاطي واشنطن مع قضاياها ومجاراتها الاستراتيجية الإسرائيلية لإحداث تحولات تخدم تثبيت أقدام الكيان العبري في المنطقة. وهناك إدماج تكتيكي بين النظرتين الأميركية والإسرائيلية في التعامل مع ملفات غزة ، لبنان وسوريا، لكن الإدماج الاستراتيجي دونه أسئلة ومحاذير. بيد أنّ تل أبيب تتحرك في الوقت الضائع من أجل انتزاع كثير من الأوراق، وتسجيل عدد من النقاط، والإمساك بمجمل مفاتيح اللعبة الشرق أوسطية ومفاصلها. هذا التوجّه لا يريح دولاً عربية مثل مصر، الاردن، العراق، ويثير مخاوف دول عدة معنية بهذا الملف، ولاسيما منها: الصين، روسيا، فرنسا، وهم أعضاء دائمون في مجلس الأمن. وذلك من دون التطرق إلى معارضة إيران، وبعض التحفظات التركية.
وانطلاقاً من هذه الصورة الواقعية، ومن الإيجابية التي تزامنت مع انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتشكيل الحكومة الأولى في عهده برئاسة القاضي نواف سلام، يُنتظر أن تقوم مبادرات داخلية لتحصين المرحلة وتمكين الدولة من الإقلاع بقوة وشفافية، وهذا يقتضي:
1- أن ينزل جميع الأفرقاء عن الشجرة، فيقدموا طموحات متواضعة ويخفضوا السقوف، ويقلعوا عن لغة المكاسرة والحملات السياسية والإعلامية.
2- التجاوب مع أي دعوة للحوار يطلقها رئيس الجمهورية لتثبيت سيادة الدولة وشرعيتها، ومواكبتها من أجل المضي في الورشة الوطنية الكبرى التي تنتظرها، سواء على مستوى الإصلاح السياسي والمالي والاقتصادي، أو على المستوى الأمني.
وفي اي حال، ينصح المصدر الديبلوماسي باحترام رغبة الرئيس عون في أن يتولّى هو شخصياً البتّ بسلاح «حزب الله»، لأنّ هذا الأسلوب أجدى بكثير من الاستهدافات المباشرة وغير المباشرة التي تطاول الحزب، وترفع من منسوب التوتر، وقد تكون مدرجة لتعقيدات ومشكلات يمكن اجتنابها بترك نزع الألغام المزروعة في الملفات الشائكة إلى من تعهّد القيام بها، من دون الحاجة إلى تحدّيات من هنا، وشدّ عصب من هناك.