اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ٢٧ كانون الأول ٢٠٢٤
على الرغم من المخاطر البيئية الكبيرة التي يمرُّ بها لبنان، من تلوّث الهواء، وفوضويّة إدارة النفايات، وتسرّب المياه الآسنة إلى أنهاره الرئيسيّة، وصولاً إلى خطر الاحتباس الحراري الذي يُعاني منه الكوكب بأسره، ما زالت مناطق الجبل تتنفّس هواءً نقياً، وما زال الرداء الأخضر الذي يغطّيه يتمدّد ببطءٍ، كثوبٍ يُنسَجُ على نَولٍ قديم. فهل شفاء لبنان البيئيّ سينطلق من الجبل؟
على يمين أوتوستراد بيروت – صيدا، وتحديداً في بلدة الدامور، لافتة توجيهيّة خضراء تشير إلى أحد الطرقات الرئيسية إلى الجبل، أهل المنطقة يسمونه 'مدخل الجبل'. تشكّل هذه اللوحة الإرشاديّة لحظة انتقالٍ من عالمٍ إلى آخرَ مختلف. لحظة تحوّل من الضوضاء إلى الهدوء، من اللون الرمادي الاصطناعيّ إلى الأخضر الطبيعيّ. فجأة يختفي الإسمنت من دون أن تراه يبتعد في المرآة، لتحلّ محلّه غابات مترامية الأطراف تتقدّمها أرزة خضراء تتوسّط العلم اللبناني عند حاجزٍ للجيش.
كيلومتراتٍ عديدة تقطعها السيارة، قبل الوصول إلى أول تجمّع سكانيّ. آلاف الأشجار التي تتجمّع في أحراجٍ متناسقة طبيعياً، غالبيتها من السنديان والصنوبر البريّ والشربين. ثم تطلُّ سلسلة جبال الباروك، هي الأخرى باتت تلتحف الرداء الأخضر، بعدما كانت جرداء في ثمانينات القرن الماضي. وكلما تقدمنا صعوداً، ازداد تنوع الأشجار، فقبل الوصول إلى غابات الأرز، نمرُّ بأحراج الصنوبر المثمر، فيما تلتفّ أشجار الدلب حول الأنهار مشكّلة مظلّات لا تنتهي. ويبقى الأجمل بينها 'القطلب'، وهو شجر قليل الوجود، يتميّز بجذوعه وأغصانه الحمراء وورقه الدائم الخضرة.
لا إحصاءات دقيقة عن حجم الغطاء الأخضر في مناطق الجبل. لكن غابات لبنان بالإجمال، وفق إحصاءات وزارة الزراعة تُشكّل 24 في المئة، منها 13في المئة، ذات أنظمة إيكولوجيّة فريدة وذات قيمة بيئية عالية، و11 في المئة أراضٍ حرجية عادية. في حين تذكر الدولية للمعلومات، أن مساحة محمية أرز الشوف وحدها تبلغ 5 في المئة من مساحة لبنان. فلو احتسبنا مساحات الأحراج الواقعة خارج نطاق المحمية، أو ضمن محميات أخرى في مناطق جزين – الشوف – عاليه، والتي تشكّل امتداداً حرجياً واحداً، يمكننا القول إن الغطاء الحرجي في الجبل قد يصل إلى نصف مساحته الإجمالية في كل لبنان، أو يقاربها.
الغطاء الأخضر يتوسّع
تُظهر الصور الجوية المستخدمة في موقع google earth توسعاً واضحاً للغطاء النباتي في مناطق الجبل منذ العام 1984 حتى العام 2024. فقد ازداد انتشار اللون الأخضر حول حرج بكاسين باتجاه مرج بسري شمالاً وغرباً. وتكثف الغطاء النباتي أكثر في المنطقة الواقعة بين بعقلين وداريا وبسابا. كذلك في الأحراج الواقعة بين دير القمر وكفرمتى وبيصور ومجد المعوش. فيما بدا التغيُّر الإيجابي واضحاً أيضاً بمحاذاة سلسلة جبال نيحا والباروك. وهذا ما يؤكده المدرّب الزراعي والبيئي مازن الحلواني، يقول 'لعدّة عقود مضت، كانت الثروة الحرجية في الجبل إلى تراجع. أما بعد ذلك، وبفضل حملات التشجير التي تقوم بها المحميات عموماً ومحمية أرز الشوف خصوصاً، بالتعاون مع الجمعيات البيئية، ووزارة الزراعة والجهات الدولية المانحة، فيمكننا الجزم بأن العديد من الأراضي التي تعرّت في السابق، عادت واكتست ثوبها الأخضر من جديد. وبفضل المتابعة والعناية في مرحلة ما بعد الغرس، يستمر الغطاء الأخضر بالتوسع إلى يومنا هذا.
يشرح الحلواني 'أن أحد أهم أسباب تعافي الثروة الحرجية في مناطق الجبل هي الإدارة الرشيدة، حيث تبدأ من السهر على حماية الأحراج، ولا تنتهي عند حملات التشجير، بل تستمرّ لتؤمن العناية المطلوبة' مؤكداً 'أن الفضل يعود إلى تضافر الجهود والعمل المشترك بين فرق عمل المحميات الطبيعية، وأبرزها محمية أرز الشوف، والأجهزة الأمنية، وذلك من خلال التشدد في تطبيق القوانين، كذلك ساهم وعي البلديات ووزارتي الزراعة والبيئة والمجتمع المحلي في المحافظة على هذه الثروة،وبالتالي تدنّي معدلات تدمير الطبيعة في هذه المناطق، من حرائق مفتعلة أو قطع جائر أو رعي عشوائي.
أحراج جبل لبنان في دائرة الحذر لا الخطر
ينبّه المدرب الحلواني إلى عدّة عوامل كفيلة بأن تُفقدنا ما تم تشجيره أو خسارة مساحات أخرى منها 'فقدان التناغم بين الزراعة الاقتصادية والتحريج، اللذين، برأيه، يشكلان معاً تنوّعاً بيئياً وإيكولوجيّاً ضروريّاً للبيئة'، ويحذّر الشركات من إدخال زراعات حديثة 'قد تخلق تأثيراً سلبياً على البيئة المحيطة، في حين يجب الحفاظ على المزروعات المستوطنة أو مزروعات حوض البحر المتوسط'. ويبقى الخطر الأكبر كامناً في التمدد السكاني، لذلك على الدولة التشدُّد بتنظيم تصنيف الأراضي، والمخططات التوجيهية للتنظيم المدني والعمراني.
يلاقيه في الرأي، الناشط البيئي زاهر رضوان، رئيس منظمة 'اليد الخضراء'، فيقول 'إن الكثافة السكانية في مناطق الجبل، تشكّل تحدياً أمام الحفاظ على هذه المساحات الخضراء بسبب الحاجة الدائمة للتوسّع العمراني، خصوصاً في قضاءي عاليه وجزين، فعلى سبيل المثال، يبلغ عدد السكان المسجلين في قضاء عاليه بين 300.000 و360.000 نسمة، في حين يقطنه حوالى 1.200.000 نسمة، أي ما يقارب ربع عدد سكان لبنان. أما القلق المستقبلي، فيكمن في استباحة الأحراج لأغراض سياحيّة، لذلك، المطلوب هو التنظيم والرقابة بالتعاون بين الجمعيات والبلديات والوزارات المعنية'.
ويُجمع الناشطان البيئيّان، الحلواني ورضوان، كما غيرهما من الناشطين، على أن الأخطار البيئية عديدة ومتنوعة، فبالإضافة إلى ما ذُكر، هناك أخطار عديدة، كالحرائق، وتلوث الهواء والماء، والقطع الجائر، والرعي العشوائي.
بالعمل الجاد تستمر الثروة الحرجية بالتوسّع
تعمل منظمة 'اليد الخضراء' منذ أكثر من عام على حماية، ما يعتبرها رضوان، رئة بيروت، وهي عبارة عن ثلاثة أروقة خضراء ضمن قضاء عاليه. الأول: حومال، بدادون، بليبل، بشامون، عرمون، الشويفات. الثاني: رشميا، الغابون، الرمليّة، دميت وصولاً إلى جزين. والثالث: شارون عين دارة وصولاً إلى محمية أرز الشوف. يتمّ ذلك من خلال مخططات توجيهية وضعتها الجمعية بالشراكة مع البلديات والوزارات المعنية.
في الشوف، يرى مازن الحلواني أن الفضل يعود لمحمية أرز الشوف، التي ساهمت، بالإضافة إلى أعمال التشجير والحماية، في نشر الوعي البيئي لدى المجتمع. وقد أدى الإهتمام بالبيئة إلى انخفاض الفاتورة الإستشفائية بالمقارنة مع المناطق اللبنانية الأخرى.
أما في جزين فيقوم اتحاد بلديات جزين بجهود جبارة، بالتعاون مع الوزارات المعنية والمجتمع المحلي للحفاظ على الثروة الخضراء.
في الخلاصة، على الرغم من المخاطر والتحديات يمكننا اعتبار الثروة الحرجية في مناطق الجبل بخير كونها في توسّع مستمر.