الدولة تفرض ضريبة مسبقة بنسبة 3 % !!

أثارت المادة 31 من الموازنة لغطاً كبيراً بحيث لفّها الغموض وكثرت التساؤلات حولها وهي تتعلّق بالإجازة لإدارة الجمارك استيفاء نسبة 3 % محدّدة من قيمة كلّ عملية استيراد كأمانة على حساب ضريبة الدخل، فتمّ تدوير زواياها وتحديد بعض النقاط.

وخرج مشروع قانون الموازنة بتعديل أكثر وضوحًا ومشروطًا، محدّدًا على وجه الخصوص حالة استيفاء نسبة الـ 3% من قيمة كل عملية استيراد. وجاءت التعديلات على المادة 31 من مشروع قانون الموازنة كالاتي: 'تستوفي إدارة الجمارك مبلغًا نسبته 3 % من قيمة كلّ عملية استيراد قام بها مكلف لم يلتزم بتقديم تصاريح الضريبة عن الدخل المترتبة على أرباحه وكذلك تصاريح الضريبة على القيمة المضافة، خلال السنوات الثلاث السابقة للسنة التي يتم خلالها الاستيراد، كأمانة على حساب ضريبة الدخل، على أن يدخل هذا المبلغ في حساب المكلف الضريبي ويحسم من الضريبة السنوية المترتبة على أرباحه وفقًا للتصاريح المقدّمة من قبله'.

فما هي هذه الضريبة وماذا تعني ومن تشمل وما هي تداعياتها على المواطنين وعلى التجار وعلى التضخم، وهل سنشهد ارتفاعاً في الأسعار وبأي نسبة وهل سيشمل هذا الارتفاع كل السلع، وهل هناك أبواب أخرى يمكن للدولة أن تلجأ إليها لزيادة إيراداتها بعيداً عن استهداف القطاع الخاص الشرعي ولا سيما أن حجم الاقتصاد غير الشرعي يفوق الاقتصاد الشرعي بنسبة 50%، وهل يشكل تحسين الجباية ووقف التهرّب الضريبي والتهريب مدخلاً أكثر عدلاً وفعالية من توسيع السلة الضريبية على حساب الملتزمين؟

ضريبة مسبقة على الارباح

في هذا الإطار يقول رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي في حديثه للديار: أقرّت الموازنة غير أنني لم أحصل بعد على النص النهائي، ولا اعرف اذا كان هذا البند طبق بأكمله أو تغير، لأننا علمنا انه قد لا يطبق على الشركات كلها إنما على تلك التي لم تدفع ضرائبها في ثلاث السنوات الماضية ، لذلك هناك تحفظ عن الموضوع، ونقول انه في حال سيطبق على الشركات التي لا تدفع الضرائب، علينا ان نرى الالية لكيفية التطبيق.

وشخصياً لا يعتقد بحصلي ان الآلية ستكون سهلة بفرض 3% ضريبة مسبقة على جزء من الشركات ولا تطبق على الجزء الاخر، ويقول: فيما لو أخذنا الخيار الثاني اي ان الضريبة ستطبق على الجميع، فحسب نص القانون يقول انها ضريبة مسبقة على الارباح، وهنا لدينا ملاحظات كبيرة:

اولا؛ اذا تم فرض 3% على المشتريات على الحساب الضريبي يعني ان الشركة تربح ربحا صافيا بنسبة 17,64 % وبالتالي اذا كانت الضريبة 3 % علينا ان نقسم 3 على 0.17 فيكون ما يعادل 17,64%. اي اذا كانت مشتريات الشركة 100 الف دولار ستدفع ضريبة 3 الاف دولار. وإذا أردنا ان نحسبها ضريبة على الأرباح يكون حينئذ ان الشركة حققت 17,64 % أرباحا صافية 'وهذا الأمر غير طبيعي'.

وفي حسبة قام بها بحصلي: مخصص ٣٪ على إجمالي قيمة الاستيراد بسبب الضرائب

لكي تكون الضريبة ٣٪ من هذا المبلغ، فإن صافي الربح هو ٣٪ / ٠٫١٧ = ١٧٫٦٤٪ من هذا المبلغ، مضمونًا، ليتمكن من دفع هذه الـ ٣٪ مقدمًا.

لنفترض أن شخصًا استورد بـ١٠٠,٠٠٠ دولار أميركي، فعليه دفع مخصص ٣,٠٠٠ دولار أميركي للضرائب.

لكن ٣٠٠٠ دولار أميركي من الضرائب هي ٣٠٠٠ دولار أميركي / ٠٫١٧ = ١٧,٦٤٧ دولارًا أميريكيًا من أرباح فاتورة استيراد بقيمة ١٠٠,٠٠٠ دولار أميركي.

ثانيا؛ في القانون هل يمكن ان نفرض ضريبة مسبقا على أرباح لم تُحقَق، متسائلاً لماذا يعتبرون ان الشركة تربح الأموال دائما، ويفترضون ذلك مسبقا، معتبراً أن هذا الأمر غير صحيح، 'وبالتالي ستكون هذه القيمة اكبر بكثير مما سيُفرَض ضريبة على الشركة، ومردود الدولة سيكون ما يعادل 600 مليون دولار في حين المدخول المتوقع للشركات 180 مليون دولار وفق حسابات الهيئات الاقتصادية، وبذلك تكون الدولة تستبق ضرائب أكثر بكثير من الأرباح المقدرة للشركات وهذا امر خاطىء'.

ثالثا؛ في القانون الضريبي يجب ان يكون هناك مساواة بين المكلفين وبالتالي يتم فرض ضريبة على بعض الأفراد ان كانوا مستوردين او تجارا او صناعيين ولا يتم فرض الضريبة على التجار الذين هم غير مستوردين، مما يؤدي إلى عدم مساواة ضريبية بين الجميع وهذا الأمر يمكن الطعن فيه.

من هذا المنطلق يقول بحصلي: 'لا يمكننا اعتبار 3% 'فيما لو نفذت كما هي و اذا لم يكن لها غير شروط'، لا يمكن اعتبارها مسبقة على الضريبة لان الشركات لن يكون لديها هذه الضرائب لتدفعها 'وبالتالي هذه لن تُعتبر ضريبة وستدخل في عنصر الكلفة، ولو كانت هذه ضريبة ستُحصّل لن تدخل في عنصر الكلفة، واذا أدركت الشركة أنها ستدفع ضريبة ٣% لكن الأرباح ستكون أقل بكثير والباقي على حساب الدولة على سنتين او ثلاث أو أربع سنوات إذا تم تحصيلها لا يمكن اعتبارها سلفة على الضريبة بل نعتبرها ضريبة، 'وبالتالي إذا اعتبرنا ذلك سيكون هناك زيادة على الأسعار نتيجة زيادة الكلفة بما يعادل ٣% أو أقل'.

وأكد بحصلي على 'أن هذه الضريبة من المفترض أن تكون مسبقة أي على حساب الضريبة وبعقلية الدولة لن تكون كلفة إضافية بل هي دفعة في الحساب على ضرائب سوف تُحصّل، 'و إذا اعتبرنا أن الشركة حققت أرباحاً ستدفع ضرائبها في الشهر الخامس من السنة التالية أي هناك مدة ١٧ شهرا لدفعها، و بالتالي إذا المستورد والصناعي يقوم بدفع هذه الضريبة مسبقاً هذا ليس حقاً ما دام التجار غير المستوردين سيدفعون ضرائبهم في وقتها وليس مسبقاً' .

انعدام العدالة الضريبية

واعتبر 'ان هذا الأمر لا يُعد عدالة ضريبية وفي الوقت نفسه لا نعرف بعد سنة ونصف كم ستكون الأرباح، وبالتالي لا يمكن اعتبارها سلفة على الضرائب بل ستكون كلفة وستزيد من المصاريف التشغيلية وبالتالي سترتفع أسعار السلع بما يُعادل ٣% أو أقل بقليل'.

وإذ سأل بحصلي: 'ماذا تحصّل الدولة وممّن؟، اعتبر أن هذا الأمر يشجع دائما الاقتصاد الأسود على التطور ويُغرّم الاقتصاد الشرعي، 'وبالتالي، الدولة تغرم الجهات التي تصرح عن أرباحها اما الذين لا يصرحون فهم تحت الرادار وفوق القانون ولا يدفعون هذه الاكلاف، وبالتالي هذا الأمر سوف يشجع أكثر التجار غير الشرعيين على الاستمرار في مخالفاتهم وتغرم الاقتصاد الشرعي'.

وأشار بحصلي إلى ان 'وجهة نظر الدولة تقول انها تريد كشف الشركات غير المصرحة، وهذا أمر جيد الا انه براينا ليس الوسيلة المناسبة، والجميع يعلم ومنها وزارة المالية تعرفهم بالأسماء لأولائك الذين لا يصرحون'.

لا اَلية لتحسين الجباية وضبط التهرب الضريبي

ودعا بحصلي الى تحسين الجباية ووقف التهرب الضريبي والتهريب، 'إنما للأسف لا نجد اي آلية معينة لتحقيق هذا الأمر، ولا شك هناك جهود تقوم بها الدولة اللبنانية مع الجيش اللبناني في ضبط التهريب لكن الأمور ليست بهذه السهولة وما زالت متفلتة. الذي يحصل على ارض الواقع أن الشركات الشرعية الكبيرة التي تُصرِح هي التي تتضرر وفي المقابل هناك مئات لا بل آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة لا أحد يلاحقها وهذا أمر مؤسف وغير صحيح'.