×



klyoum.com
lebanon
لبنان  ١٢ أيار ٢٠٢٤ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

klyoum.com
lebanon
لبنان  ١٢ أيار ٢٠٢٤ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

موقع كل يوم »

اخبار لبنان

»منوعات» الميادين»

ظلّ العائد

الميادين
times

نشر بتاريخ:  الأربعاء ٩ أب ٢٠٢٣ - ١٢:٤٧

ظل العائد

ظلّ العائد

اخبار لبنان

موقع كل يوم -

الميادين


نشر بتاريخ:  ٩ أب ٢٠٢٣ 

توجهت مريم إلى القبر الوحيد تحت التينة العتيقة، ومسحت الدموع التي ترقرقت في عينيها حين لمحت الكلمات المحفورة على الرّخام.

إنتهى شهر الصوم واليوم عيد الفطر. أصوات الصلوات المتصاعدة من المسجد المجاور أيقظه من نومٍ طويل. نظر إلى ساعته، إنها الخامسة والنصف وعليه أن يستعد للخروج لشراء حوائج العيد، ثم الذهاب لزيارة والدته وشقيقاته.

لا بُدّ أنّهن مجتمعات الآن في بيت العائلة العتيق بانتظار قدومه على أحّر من الجمر. ارتدى حسن ثيابه الجديدة البيضاء ملاحظاً أنّ لها رائحة مميزة عجز أن يتذكّر أين اشتمها قبلاً. انتعل حذاءه الجديد،حاملاً مظلته الأنيقة لأنّ مذيعة النشرة الجويّة أشارت إلى احتمال هطول الأمطار، ومشى بحذَر خوفاً من أن تبتلّ بدلة العيد - البيضاء- وتبدو بشكل غير لائق.

لم ير حسن أهله منذ سنوات طويلة، لذا غادر مسكنه سريعاً مجتازاً شوارع بلدته الجنوبيّة. لاحظَ أن البلدة ما زالت جميلة، رغم أن بعض البيوت القديمة تغيّرت قليلاً. الأباجورات المُلوّنة وأواني الزهور التي كانت تُزيّن النوافذ اختفت.

أبواب حديدية حلّت مكان الخشبية، حتى الشوارع بدت أوسع من تلك المحفورة في ذاكرته، أما السيارات فمعظمها حديثة. سارع حسن بخطواته فما زال لديه الكثير لفعله قبل أن يصل إلى بيت العائلة. عليه أن يمرّ على الجزار لشراء اللحم، ثم صانع الحلويات لابتياع «المعمول»، وأخيراً بائع الخضار لشراء باقات من الفجل والنعناع الأخضر كي تُزيّن «ترويقة العيد». ترويقة الفول المدمس وخبز الطابون ذي رائحة يدي أمّه التي تعيد للروح ما فقدته.

وصل حسن إلى ساحة القرية التي شهدت ألعاب الطّفولة. الطفولة التي لم تغادره ذكرياتها، ولاحظ بألم أن جدران المنازل والمحلات لم تعُد بذلك اللون الأخضر العالق بذاكرته. صارت بيضاء شاحبةٌ وجرداء. وقف يُمعن النظر في صورة كبيرة مُعلّقة على عامود الكهرباء الرئيسي والتي تعود إلى أحد شهداء البلدة أثناء عدوان تموز 2006.

تأمل ملامح الشاب مُطولاً فلم يستطع تذكره، ولكنه شعر بأنه التقاه في مكان ما، رُبّما في حياة سابقة. حاول حسن أن يستعيد تفاصيل تلك الحرب الضروس، لكن صداعاً شديداً تملّكه كما لو أنّ رأسه كتلة يابسة، وأحس بقطرات من العرق ذات لونٍ غامقٍ تسيل على جبهته.

نظر الى الدّرج الطويل المبني في وسط السّاحة الذي اعتاد صعوده بخفة للوصول إلى «بيدر القش»، حيث كانت عجائز القرية تخبزن المرقوق اللذيذ لعائلاتهن، أو يقمن بتحضير الهريسة وتوزيعها على بيوت القرية، واجتهد أن يتنشّقَ تلك الرائحة الساخنة دون جدوى.

الدرج مختلفٌ قليلاً عن السابق. صارت أرضيته بالرخام الصقيل، وبعض الأعشاب والأزهار البريّة العنيدة تشرئب برؤوسها بين بلاطة وأُخرى. استقر نظره فجأة على البيت الكبير في أعلى الدرج، فافتر ثغره عن ابتسامة مشوبة بالحنين، وطافت برأسه ذكريات هذا البيت ووجوه الأهل وساعات اللهو الطويلة مع صديقه محمود قرب أصص الورد الجوري والقرنفل.

فجأة، نقرت رائحة الياسمين والفل حاسّة التذكّر لعهد الصبا الجميل. محمود؟ أين يكون الآن بعد هذا العمر؟ لا بُدّ أن أموراً كثيرة حدثت أثناء غيابه الطويل عن القرية، ولم يعد يعلم من مات، ومن تزوج، ومن طلّق، ومن وُلِدَ، ومن هاجر ومن بقيَّ هنا!

انقطعت كل هذه الأخبار منذ رحيله المفاجىء. لام نفسه على استرساله بأفكاره. عاد أدراجه متجهاً نحو دكان الجزار الكائن في زاوية السّاحة. لحسن الحظ لا زحام بعد، كأن الناس لم تعلم بالعيد. قال للبائع: '3 كيلوات لحم لو سمحت'. نظرات البائع المندهش لم يفهم حسن مغزاها. سأله حسن عن السعر . 'ثلاثون دولاراً'، أجاب الجزار.

بُهت حسن. لم يكن يعرف أنّ الأسعار في قريته النائية الواقعة في نقطة منسيّة من غرب قارة آسيا أصبحت بالعملة الأميركية. القرية المقاومة للإمبريالية تتعامل بالدولار ! يا للهول! منذ متى؟

لاعناً أميركا في سره، بدا عليه الارتباك الشديد وهو يحاول أن يمدّ يده في جيبه لإخراج النقود؟ لاحظ البائع ارتباكه، فقال له بلطف: 'لا بأس يا أستاذ، أعطني المبلغ المطلوب غداً، أنت من أهل القرية ولن تهرب'.

شكره حسن وتابع سيره إلى محل الحلويات، وهو يفكر بأنه سيشتري معمول العيد لوالدته لأنها تعشقه، ويختار «غاتو بالشوكولا» لشقيقته الصغيرة عاشقة الكاكاو، وابتسم عندما تخيّل ابتسامة عيني أمه وغمّازتي الشقيّة الصغيرة عندما تريان هذه الطيِّبات. كم هو مشتاق ليغمرهما بالقبلات!

أخذ حسن الحلويات وغادر نحو بائع الخضار الكائن في الطرف الجنوبي من ساحة القرية. حثّ خُطاه لأنّ المطر بدأ يتساقط، والسماء مُلبّدةً بالغيوم السوداء الكثيفة منذرةً بما هو أسوأ. وبينما يجتاز الشارع لمح مجموعة من النسوة قادمات من أحد أطراف القرية المترامية، يحملن المظلات ويقصدن الجهة المقابلة. يا الله! امرأة تشبه والدته تتوسط المجموعة، فرك عينيه ليتأكد، هل هي أمه أم لا ؟ بلى، بلى، إنّها هي، عرفها من طريقة عقدها للمنديل ومن استدارة وجهها الذي يُشعّ حُسناً وبهاء حتى بالتجاعيد الكثيرة.

كم تبدو جميلة وهي متلفعة بالثياب السوداء وتتجاذب أطراف الحديث مع سيّدة ذات عيون زرقاء واسعة، لا شك أنّها جارتنا «الحجة مايلة». لاحظ حسن بحزن أن والدته بدت عليها علامات الكِبر و ظهرها انحنى قليلاً، هذا الظهر الذي حمل السنين والعائلة . هذا الوجه وتلك الانحناءة ذكّرته بأبيه الراحل الذي لم يكن رجلاً سهل المراس، يكدّ ويكدح ويبقى كالجبل، كذلك الجبل على كتف القرية. ولوهلةٍ سمع داخله صوت أبيه الآمر الأجشّ ينادي في جنبات البيت: 'مريييييييييييييييم!'.

في لحظة خاطفة التقت عيناه بعيني والدته. اتّسعت حدقتاه وحدقتاها بالدهشة والصدمة، كاد يركض نحوها. وضعت يدها على صدرها وتجمدت مكانها غير مُصدِّقةٍ، لكن الحجة مايلة جذبت والدته من يدها وجرّتها لتتابعان طريقهما.

أكملت النسوة سيرهن وأخذن ينزلن بتؤدةٍ طريقاً متعرِّجةً وعرةً موحلةً شديدة الانحدار وهنّ يبالغن في الحذر. تابعهن حسن وهو مبتلٌّ عرقاً وخوفاً ودهشةً وهنّ مبتلاّتٍ بماء المطر. تابعَ حتى تلك الهمهمات والكلمات التي لم يتبيّنها. صار كلما اقترب منهن يراهنّ أبعد وأبعد. كلما أسرع ابتعدن. لم يجد صوته ليصرخ: أمّي! لكن خطواته صارت تتثاقلُ شيئاً فشيئاً كأنّ كلّ خطوةٍ سنةٌ أو صخرةٌ تضغط على كتفيه، وأحسّ كما لو أنه يغوص في ذلك التراب الموحل!

نظرت 'مايلة' إلى صاحبتها:

- ما بك يا حجة مريم، يبدو وجهك شاحباً، ألم تتناولي الدواء؟

- أنا بخير، لكن حدث شيء غريب منذ قليل، لقد لمحت شخصاً يشبه ابني حسن كثيراً.

- أنت فقط مشتاقة له كثيراً، يحدث هذا مع من نحبّهم.

الدهشة والذهول لم يفارقا وجه الحاجة مريم، كما لم تفارقها يد صاحبتها التي تسحبها بثبات رغم الوحول والأحجار التي تتناثر في الطريق. خطواتها لم تعد متّزنةً كأنها تتعثّر بظلّ الشخص الغامض الذي يمشي خلفهن.

وصلت السيّدات إلى مقبرة القرية. النباتات البريّة والأشجار الخضراء وشجيرات الدفلى كبرت منذ السنة الماضية.

توجهت مريم إلى القبر الوحيد تحت التينة العتيقة ومسحت الدموع التي ترقرقت في عينيها حين لمحت الكلمات المحفورة على الرّخام: الشهيد حسن إبراهيم (3 آذار 1967 - 27 أيلول 1996)، الفاتحة لروحه.

التفت خلفها بذهول. تنظر إلى ظلٍّ باهتٍ صنعته خيوط الشمس التي بدأت بالظهور، ظلٍّ بنيٌّ بلون الأرض ليس له حفيف إلاّ في الروح!

الميادين
شبكة الميادين الإعلامية قناة فضائية عربية إخبارية مستقلة انطلقت في الحادي عشر من حزيران من العام 2012 واتخذت من العاصمة بيروت مقرا لها. تبث القناة 24/24 ساعة مقدمة اكثر من عشر نشرات اخبارية ونحو 17 برنامجا منوعا . كما ينتشر مراسلوها في عواصم القرار والكثير من دول العالم و المنطقة من موسكو الى واشنطن و لندن و طهران و باكستان وافغانستان واوروبا والبلاد العربية كافة .
الميادين

أخر اخبار لبنان:

منذ 8 تشرين الأول.. ماذا فعل حزب الله؟

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.

موقع كل يوم
1

أخبار كل يوم

lebanonKlyoum.com is 1654 days old | 4,274,058 Lebanon News Articles | 10,601 Articles in May 2024 | 108 Articles Today | from 69 News Sources ~~ last update: 21 min ago
klyoum.com

×

موقع كل يوم


مقالات قمت بزيارتها مؤخرا



ظل العائد - lb
ظل العائد

منذ ٠ ثانية


اخبار لبنان

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.






لايف ستايل