اخبار لبنان
موقع كل يوم -صحيفة الجمهورية
نشر بتاريخ: ٢٤ أيار ٢٠٢٥
لفتت مراجع أمنية وديبلوماسية إلى أنّ التصعيد العسكري الإسرائيلي ضدّ القرى الجنوبية أول أمس مردّه، بالإضافة إلى الأسباب الأمنية التي تبرّره، أنّه تزامن وموعد تبلّغ لبنان موعد زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس لبيروت. وعليه، تردّدت روايات تتراوح بين الرغبة في أن تمرّ على الحامي او بهدف التأجيل، مع ترجيح الخيار الثاني. ذلك أنّها كانت تمني النفس بإنجاز ما، ما زالت تنتظره منذ آخر زيارة لها مطلع أيار الجاري. وهذه بعض المؤشرات الدالّة.
منذ أن غادرت اورتاغوس بيروت مطلع هذا الشهر بعدما اطمأنت إلى تجاوز العِقد التي عطّلت عمل اللجنة الخماسية المكلّفة بالإشراف على مراقبة المراحل المقرّرة لتنفيذ القرار 1701، وإعادة العمل بعد شلل لم يتمكن أحد من تجاوزه وامتد من 11 من آذار الماضي وحتى نهاية نيسان عندما تسلّم الجنرال الجديد من قائد المنطقة الوسطى الأميركية مايكل ليني مهماته خلفاً لسلفه الجنرال جاسبر جيفيرز.
ولما ساد الاعتقاد أنّ هذه الخطوة ستشكّل حافزاً لإحياء عمل اللجنة الخماسية، فقد سقطت هذه النظرية ولم يتمكن الجنرال الجديد الذي قيل انّه سيكون مقيماً دائماً في لبنان، من إحياء عمل اللجنة، بسبب عدم القدرة على تنفيذ ما تعهّدت به في اجتماع 11 آذار على خطين، لا في الإسراع في أن تحدّد إسرائيل موعداً لإخلاء النقاط التي احتفظت بها في أكثر من قطاع جنوبي، ولا على مستوى تشكيل اللجان السياسية والديبلوماسية التي طلبتها الولايات المتحدة من لبنان لإطلاق المفاوضات حول الحدود البرية الدولية مع فلسطين المحتلة قبل ان تنسحب اسرائيل من مواقعها، ولا حدّثت المساعي اللبنانية أي خطوة متقدّمة نحو تحديد أي برنامج لتخلّي «حزب الله» عن سلاحه للجيش اللبناني كما بقية الأسلحة لدى أي قوة أمنية غير شرعية.
وعليه، لمّا لم يتحقق أي من هذه المحطات المنتظرة، ولم تعوّض الخطوات التي أدّت إلى إنهاء وجود وتفكيك مواقع الفصائل الفلسطينية في البقاع الأوسط وساحل الشوف بعد تجريدها من أسلحتها، سقطت التعهدات التي قطعتها اورتاغوس بإمكان عودتها إلى بيروت في غضون أسبوعين. وكان في اعتقادها أنّ مثل هذه المهلة كافية لإحراز أي تقدّم على المستويات المطلوبة، ولذلك استكملت ما على جدول أعمالها من جولات ولقاءات، وما يمكن أن تقوم به في بيروت، فواكبت أولى اللقاءات الأميركية ـ الإيرانية في سلطنة عمان قبل أن تواصل برامج زياراتها لعدد من الدول حتى مشاركتها في «منتدى قطر الاقتصادي» وتلبيتها دعوة «مجموعة العمل الأميركي من أجل لبنان»، إلى المشاركة في عشائها السنوي في حضور أكثر من 500 شخصية لبنانية إضافةً إلى عدد كبير من المسؤولين والنواب الأميركيين، حيث ألقت كلمة حملت عدداً من الرسائل التي ترسم خريطة طريقها في مهمّتها اللبنانية.
وإلى هذه المؤشرات التي وإن دلّت إلى التريث الأميركي في اتخاذ اي خطوة ميدانية تجاه لبنان، فقد كشفت تقارير وردت من واشنطن وأكثر من عاصمة تهتم بالملف اللبناني، أنّ التصعيد العسكري الذي برّرته إسرائيل اولاً بوجود موقع مسلح لحزب الله وسط بلدة تول في النبطية لم تمسه أيدٍ اخرى بعد، استغلت المناسبة لتخوض حرباً أوحت بإمكان عودة الليالي الصعبة، بعدما تكثفت الغارات بالعشرات على أكثر من تلة وقرية جنوبية وصولاً إلى أعالي اقليم التفاح حتى ساعة متقدمة من فجر أمس. وهو ما أدّى إلى فتح الخطوط الحمر بين بيروت وواشنطن والامم المتحدة، بعدما أطلقت قيادة «اليونيفيل» صفارات الإنذار بموجب «التحذير الرقم 3» الذي يعدّ من الأخطر أمنياً، على خلفية السعي إلى فهم الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى موجة التصعيد هذه، في ظل زحمة المبادرات السياسية والخطوات المقررة على أكثر من مستوى.
وعليه، كان همّ المسؤولين اللبنانيين الكبار هو فهم الدوافع التي قادت إلى هذه الحملة الجوية الواسعة، وخصوصاً انّها تلت الهجوم على الديبلوماسيين الإسرائيليين في واشنطن التي أحيت المخاوف من أن تكون مثيلة لمحاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن شلومو أرغوف في 3 حزيران 1982 التي أدّت إلى اجتياح لبنان في ذلك العام، أو أنّها بهدف تعطيل الانتخابات البلدية والاختيارية في الجنوب، بعدما تعددت المخاوف من أن تكون هناك نية لتعطيل هذا الاستحقاق الجنوبي، بعدما عبرت الاستحقاقات الأخرى هادئة وفي أجواء إدارية وأمنية هي الفضلى.
وأمام سقوط كل هذه القراءات لأكثر من سبب، فقد أكّدت التقارير الديبلوماسية انّ واشنطن أخذت على عاتقها معالجة حادثة واشنطن، لإفقادها اي بُعد إسرائيلي يقود إلى أي خطوة في المنطقة غير مرغوب بها لدى الجانب الأميركي. ولما ادّت الضربات الجوية إلى زيادة عدد البلديات الجنوبية التي فازت بالتزكية لمصلحة «حزب الله»، سقط هدف تعطيل الاستحقاق الانتخابي، بعدما ادّت الاعتداءات والمناخات التي تسببت بها إلى مزيد من الضغوط التي صبّت في مصلحة «الثنائي الشيعي» بعد تعطيل أي مبادرة يمكن المعارضة الشيعية بوجوهها المختلفة أن تطلقها. ولذلك بقي امام الديبلوماسيين خيار واحد، وهو أنّ هذا التفجير المفاجئ يهدف إلى تعطيل زيارة اورتاغوس إلى بيروت او لتأمين حصولها على الحامي، بما يمكنها من فرض بعض الخطوات التي يتردّد لبنان في اتخاذها، حيث تنتهي هذه الزيارة إلى الفشل او إلى التصعيد الأميركي.
وانطلاقاً مما تقدّم، لفتت مراجع مراقبة إلى أنّ ما بات واضحاً هو انّ اورتاغوس أرجأت زيارتها لبيروت إلى موعد غير محدّد، ما لم ينجح لبنان في طلب زيارتها سريعاً لمواجهة الآثار المدمّرة للاعتداءات الإسرائيلية والمخاوف من تعثر عملية جمع السلاح، بعد التريث في تسليم ما تبقّى من سلاح فلسطيني، حيث انضمت بعض الأوساط القريبة من «حزب الله» الى طلب تأجيل البحث في مواعيد تسليمه، مخافة أن ترتب على الحزب خطوات سريعة مماثلة، متى انتهت السلطة من هذا السلاح. ولذلك تعالت الأصوات التي تهاجم الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يستعجل الخطوة والتمهيد لها بقرار فلسطيني غير مسبوق. كما ربطت أي خطوة بالحقوق الفلسطينية، وكان هذا السلاح وجد في مواجهة الدولة اللبنانية ومؤسساتها قبل العدو الإسرائيلي، او أنّه محاولة لفرض ما يؤدي إلى عبور نصف الطريق إلى التوطين إن مُنحوا حق التملك وحق العمل في كل القطاعات اللبنانية، ليتسنى لهم الاستقرار في لبنان واستقدام مزيد منهم من سوريا، بعدما أُبعد عدد من القادة القريبين من الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان ومعهم عدد غير قليل من المسلحين الذين أُبعدوا من دمشق ومناطق مختلفة، حتى أولئك الذين خاضوا المعارك إلى جانب جيش الأسد بعد تدمير مخيماتهم في اليرموك ومحيطه قرب العاصمة السورية قبل سقوط نظامه.
وختاماً، كل ما هو ثابت انّ معظم المسؤولين اللبنانيين أمضوا ليلة اول أمس سعياً لوقف العملية الإسرائيلية وطلب الضمانات الكافية لإمرار الاستحقاق الانتخابي اليوم في أفضل الظروف. إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فتتضح النيات الإسرائيلية، وتقلّص الضغوط الأميركية وفق الشروط التي عدّدتها اورتاغوس في عشاء «مجموعة العمل الأميركي من أجل لبنان»، بعدما أطلقت عناوينها في «منتدى قطر الاقتصادي»، وهي شروط مطلقة لا مجال للتفاهم في شأنها مع الإدارة الأميركية قبل القبول بها أو برمجتها على الأقل.