اخبار لبنان
موقع كل يوم -الصدارة نيوز
نشر بتاريخ: ٢٦ أيلول ٢٠٢٥
كتبت د.دعد ناصيف القزي….
في خطوة تهدف إلى الحفاظ على الحياد المكاني للمرافق العامة ورمزيتها الجامعة، أصدر رئيس مجلس الوزراء قرارًا إداريًا يمنع أي إضاءة أو وضع شعارات أو رموز حزبية على المعالم الوطنية والأملاك العامة. ويأتي هذا القرار في إطار ممارسة السلطة الإدارية لصلاحياتها في صون النظام العام والهيبة الوطنية، وتكريس مبدأ المساواة أمام القانون.
غير أنّ ما شهدته صخرة الروشة مؤخرًا من إضاءة حزبية، بعد منح ترخيص لجمعية مدنية لتنظيم تجمع قرب الصخرة، أثار جدلًا قانونيًا دقيقًا حول مدى مشروعية الفعل وحدود الترخيص، ومسؤولية الجهة المنظمة عند تجاوز شروط الإذن الإداري. فصخرة الروشة تُعدّ ملكًا عامًا بحريًا وفق المرسوم الاشتراعي رقم 144/1925، الذي يحظر إشغال أو استعمال الأملاك العامة إلا بإذن خاص من السلطة المختصة. وأي استعمال يتجاوز مضمون الترخيص يُعدّ تعديًا على الملك العام يستوجب المساءلة القانونية والإزالة.
إذا كان الترخيص الممنوح للجمعية يقتصر على تنظيم تجمع أو وقفة رمزية في محيط الصخرة، فإنّ إقدامها على إضاءة الصخرة يُعتبر مخالفة صريحة لشروط الإذن. فالترخيص الإداري لا يُفسَّر على نحو توسّعي، ولا يجيز القيام بأي نشاط غير مذكور صراحة في القرار، ما يجعل المخالفة مسؤولية قانونية إدارية وجزائية على حد سواء.
من الناحية القانونية، تنطبق المادة 733 من قانون العقوبات اللبناني التي تجرّم استعمال الأملاك العامة دون إذن وتفرض غرامة مالية مع إزالة التعدّي على نفقة الفاعل، إضافة إلى المادة 371 التي تُعاقب على مخالفة أوامر السلطة الإدارية. وبناءً عليه، فإن العقوبات المحتملة تشمل الغرامة المالية، الإزالة الفورية للمخالفة، وإحالة ممثل الجمعية على النيابة العامة للتحقيق، وربما توقيفه على ذمة التحقيق إذا تبيّن أن الفعل تم بدافع حزبي أو رمزي يمسّ النظام العام أو هيبة الدولة.
الجهات المختصة بالتحرك واضحة، أولها بلدية بيروت التي يقع المعلم ضمن نطاقها الجغرافي، وهي المخوّلة تحرير محضر ضبط وإحالته إلى محافظ بيروت لطلب الإزالة الفورية. كذلك للنيابة العامة الاستئنافية الحق في تحريك الدعوى بعد استلام المحضر، بينما تملك وزارة الداخلية سلطة الوصاية على الجمعيات والبلديات وفتح تحقيق إداري في مسؤولية الجهة المخالفة.
ورغم ما رافق هذه الواقعة من ضجيج سياسي وإعلامي، فإن ما جرى لا يمكن اعتباره انتصارًا لأي طرف أو خرقًا لموقع الدولة وهيبتها. فالإضاءة، مهما كانت رمزيتها، لم تُحدث أثرًا ماديًّا أو سياسيًّا يغير موازين القوى، ولا تُشكّل تحديًا صريحًا لقرار الحكومة. بل إن تضخيمها إعلاميًا وسياسيًا منحها حجمًا يفوق طبيعتها الواقعية، وحوّل مسألة بسيطة إلى مادة سجالية إضافية في بلد يختنق تحت وطأة الأزمات.
الخلاصة أن الجدل الذي رافق القرار والإضاءة كان أوسع من حجمه الفعلي، إذ كان بالإمكان معالجة الموضوع إداريًا من خلال بلدية بيروت دون الحاجة إلى تدخل حكومي مباشر. فالمسألة في جوهرها رمزية، واللبنانيون اليوم أحوج إلى ضوء يبدّد العتمة الاقتصادية والاجتماعية لا إلى سجال جديد يُعمّق الانقسام. فالقانون يُصان بالتطبيق الهادئ والموضوعي، لا بالمزايدات أو التضخيم الإعلامي