اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٩ أيلول ٢٠٢٥
قال سائق سيارة ألبير اينشتاين له ذات يوم: أعلم يا سيدي أنك مللت تقديم المحاضرات وتلقّي الأسئلة، بعد أن تكاثرت عليك الدعوات من الجامعات والجمعيات العلمية. فما رأيك أن أنوب عنك اليوم في محاضرة خاصة وأن بيني وبينك تشابه كبير، ولاني استمعت الى العشرات من محاضراتك أصبحت أعرف الكثير عن النظرية النسبية. راقت الفكرة لاينشتاين، وتبادلا الملابس. بدأت المحاضرة. وقف السائق على المنصة وجلس اينشتاين الذي كان يرتدي زي السائق في الصفوف الخلفية. سارت المحاضرة على ما يرام، الى أن وقف بروفسور وطرح سؤالا من الوزن الثقيل. ابتسم السائق وقال: سؤالك هذا ساذج جدا لدرجة أنني سأكلّف سائقي الذي يجلس في الصفوف الخلفية بالردّ.
هذا للأسف حالنا، نحن اللبنانيين، في خضم ما يجري من حولنا وفي بلدنا وقلب عاصمتنا، من دمار وحرب وتدمير وخراب وإراقة أرواح بشر وجنى العمر في إخفاء الحجر، حيث بات الكل، صغير وكبير، جاهل أم متعلّم، يتساءل حول مصيرنا ومصير وطننا المجهول، القاتم، المخيف ربما، وعن مدى الوقت الذي قد تستغرقه هذه الحرب الدولية على أرضنا التي في الواقع كان لا بد لها بأن تندلع لسببين:
السبب الأول هو أن اختراعات العالم، في ميدان التكنولوجيا والأسلحة، والمستوى الفائق الذي وصلت إليه، مع ما يرافق ذلك من سياسات مختلفة، وحتما قد تختلف، بين زعماء الشرق والغرب، في عقائدهم المختلفة والخلافية، التي بها حكموا ولا يزالون يحكمون بها العالم، وهي في غالبيتها عقائد دينية مختلفة ومتعاكسة ومضادة، قد لا تلتقي لا في الجوهر ولا في التفاصيل الثانوية، فانه كان لا بد لهذه الاختراعات القتالية، بصورة خاصة، من أن تستعمل وتستخدم يوما، وإلّا، في الحالة المعاكسة، أي في الحالة التي يظل فيها السلام مستداما ومسيطرا، فالعالم بذاته قد لا يستطيع الاستمرار ولا النهوض، بمعنى استمرارية الحياة والاكتشافات والاختراعات.
من هنا، ان الحرب التي يخوضها عالم اليوم هي حرب بإسم الدين، حتما. وهو بأجمعه يتأرجح ويترنح، تحديدا منذ ثلاثين أو أربعين عاما، بين ثقافتين، الاولى ثقافة الحياة والثانية ثقافة الموت، وفي عبارة أخرى، أدق وأوضح وأشمل، بين ثقافة الشرق وثقافة الغرب. فكان لا بد لتلك الاختراعات، الهائلة الحجم والبالغة الخطورة، من أن تستعملها تلك الدول التي تتصارع فيما بينها، أولا، وعن الطريق الدويلات والأحزاب والمجتمعات والأنظمة التي تستعملها وتستخدمها وتولّها تلك الدول، بغية تحقيق عقائدها وسياساتها وأهدافها ومطامعها.
السبب الثاني هو أنه، وفيما يخص الوضع اللبناني بصورة خاصة، حيث تعدّد الطوائف، ومن هنا العقائد والآراء والأهداف والمصالح، عبر خطابات رنّانة تهدف الى أن تكون مثالية، يلقيها زعماء أو قادة، بحسب الأحوال والظروف والمعطيات، ينبغي القول، والتأكيد، أن ما أوصل البلد الى ما وصل إليه، هو نحن أنفسنا، نحن اللبنانيون المنقسمون تارة مع هذا الفريق وتارة مع الفريق الآخر، المضاد للأول.
فأصوات الزعماء اللبنانيين ليست من عقولهم ولا تعبّر عن حقيقة ما هم يؤمنون به في صميمهم. فهم يدركون ذلك تمام الإدراك ويعرفون ذلك تمام المعرفة أن الشعب، حتى الذين كانوا يوما ناخبيهم، يحتقرونهم ويصفونهم بالخونة. ولكن ما باليد حيلة طالما أنهم دخلوا أجواء اللعبة وأرادوا تطبيق أصولها، ما جعل حياته وحياة كامل أفراد أسرته مهددتين بالموت والخطر المحدّقين لمجرد أنه أراد الخروج من الفريق السياسي والديني والعقائدي، الداخلي أو الخارجي، الذي ينتمي إليه والذي باع نفسه وضميره وكرامته وأهله وشعبه ووطنا بأسره من أجل الانتماء إليه.
كذلك، لا ننسى أن لبنان غارق في ديونه. وإذا أراد اللبنانيون أن يخوضوا حربا تضاف الى الحرب الإقليمية الحاصلة حاليا على معظم أراضيه، فلبنان هو أول الخاسرين. فالليرة منهارة وقد لامس سعر صرف الدولار الأميركي الواحد مقابل العملة الوطنية المائة ألف ليرة، إضافة الى محاسن ومساوئ دولرة كامل القطاعات في شكل عام وكامل وشامل.
فالحرب التي يقودها قادة العالم، في المرحلة الراهنة، هي بإسم الدين والدين معا. لانه بالدين والدين يحيا الإنسان، ويموت، في آن معا. لان مهما يتقدم ويزدهر، من جهة، ويتأخّر وينحدر، من جهة أخرى, لان بهما يرى النور ويعيش في الظلام، في ذات الوقت. لان بهما يستمر وتتتابع الأجيال وتتوارث من جهة، وتخترب البشرية وتهلك نفسها، من جهة أخرى.
يستذكرنا هنا سؤال وجّه الى الفنانة ميريل ستريب عندما سُئلت لماذا لا تستخدم أدوات التجميل؟ فأجابت: لن أسمح لأحد بأن يخفي التجاعيد من على وجهي عندما أعبّر عن دهشتي أمام جمال الحياة، ولا التجاعيد من حول شفاهي لانها تذكّرني كم مرة ابتسمت وكم مرة قبّلت، ولا حتى تلك المتواجدة تحت عيناي لانه من خلفها تختبىء ذكريات الألم والحزن والدموع. هذه كلها جزء مني وأحب جمالها. فسوف أتمسّك بملامحي لانها الدليل على خبرتي في الحياة. من هنا، آن الأوان ليفهم معظم سياسيينا الأكابر أنهم لن يجدوا وطنا بديلا عن لبنان، لانهم فيه وتحت سمائه ترعرعوا وكبروا وبكوا وضحكوا، لكنهم في نهاية المطاف اختاروا طريق الذلّ والعار والخيانة بأن خذلوا وخانوا شعبهم وأنفسهم وعائلاتهم وأولادهم قبل أي أحد سواهم.
تعيدنا هنا رائعة الشاعر إيليا أبو ماضي الى الواقع المؤلم والمرير الذي نعيشه عندما كتب في احدى قصائده: السماء كئيبة وتجهّما، قلت ابتسم يكفي التجهّم في السما. قال الصبا ولّى فقلت ابتسم، لن يرجع الأسف الصبا المتصرما. قال التي كانت سمائي في الهوى، صارت لنفسي في الغرام جهنما، فأتت عهودي بعدما ملكتها قلبي فكيف أطيق أن أبتسما، قلت ابتسم واضرب فلو قارنتها لقضيت عمرك كله متألما. قال التجارة في صراع هائل مثل المسافر يقتله الظما أو غادة مسلولة محتاجة لدم وتنفث كلما لهثت دما. قال الصدى حولي علت صيحاته أأسر والأعداء حولي في الحمى، قلت لن يظلموك بذمهم لو لم تكن منهم أجلّ وأعظم. قال البشاشة ليس تسعد كائن يأتي الى الدنيا ويذهب مرغما، قلت ابتسم ما دام بينك والرعى شبر فانك بعد لن تبتسما.
د. سلوى شكري كرم
المحامي ملحم مارون كرم