اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ٩ أيلول ٢٠٢٥
كتب داود رمال في 'الأنباء':
في تقييم لجلسة مجلس الوزراء الأخيرة التي خصصت للاستماع إلى خطة الجيش اللبناني ومناقشتها، برزت مجموعة من النقاط التي تعكس دقة المرحلة وحساسية الموضوع المطروح للنقاش والقرار.
وكشف مصدر وزاري لـ «الأنباء» أن «الوزراء الخمسة (الشيعة) الذين انسحبوا من الجلسة، ربطوا موقفهم في الجلسة بموقفهم السابق، موضحين أن اجتماع الخامس من سبتمبر هو امتداد لاجتماع الخامس من أغسطس الماضي، وبما أنهم قاطعوا الجلسة الأولى، فإنهم انسحبوا من الثانية حفاظا على انسجام موقفهم السياسي، وهذا الموقف يعكس أن الانقسام حول آليات مقاربة ملف حصرية السلاح لا يزال قائما، حتى وإن لم يتبلور في صدام مباشر داخل الحكومة».
في المقابل، دار نقاش حول صياغة البيان الذي صدر عقب الاجتماع، إذ أخذ البعض على مجلس الوزراء استخدامه عبارة «رحب» بخطة الجيش بدلا من «أقر» أو «وافق». إلا أن المصدر الوزاري أوضح «أن هذا الخيار اللغوي له دلالة سياسية وقانونية في آن واحد. فبما أن الخطة جاءت من مؤسسة رسمية هي الجيش ولكن من خارج هيئة مجلس الوزراء وإن بتكليف مباشر منه، فإن المجلس كان أمام خيارين: إما أن يكتفي بعبارة «أخذ علما»، أو أن يستخدم عبارة «رحب». والاختيار وقع على «رحب» لأنها تعكس موقفا أعلى من مجرد العلم، وتؤكد ثقة الحكومة بالجيش وبقدرته على تنفيذ الخطة. أما الحاجة إلى قرار جديد فغير مطروحة، إذ إن التكليف كان قد صدر في جلسة الخامس من أغسطس، ما يجعل الترحيب بمثابة تثبيت للثقة أكثر مما هو إقرار جديد».
ولم يقتصر بيان مجلس الوزراء على التعاطي مع الخطة فحسب، بل تضمن إشارة واضحة إلى تعثر تنفيذ الورقة الأميركية بسبب عدم التزام إسرائيل بمندرجاتها وبمقتضيات القرار الدولي 1701 واتفاقية وقف الأعمال العدائية. ومع ذلك، لم يكن المقصود إغلاق الباب أمام هذه الورقة، بل تحفيز المجتمع الدولي على ممارسة مزيد من الضغط على إسرائيل للالتزام بما هو مطلوب منها. فلبنان، كما أكد المصدر، «لا يستطيع أن ينفذ هذه الورقة بشكل منفرد، لأن تنفيذها يرتبط بموافقة كل من إسرائيل وسورية، وهذا ما يسلط الضوء على الطابع الإقليمي والدولي لهذا الملف، ويضع الحكومة في موقع الحريص على الالتزام بالتعهدات الدولية دون التفريط بسيادتها أو مصالحها الوطنية».
أما الأهم، فهو أن الجيش سيباشر عمليا بتنفيذ الخطة التي عرضها، والتي تقوم على مبدأ حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها، الأمر الذي يعكس التزام المؤسسة العسكرية بقرار الحكومة، ويؤسس لمرحلة اختبار جدية لهذه السياسة. وقد شدد المصدر الوزاري على «أن الخطة ليست شعارات عامة، بل جاءت تفصيلية وواقعية، تتضمن تقييدات وافتراضات وتوقعات، وتمنح الجيش هامش تحرك ضروريا يتيح له التكيف مع الظروف الميدانية والسياسية. كما أن القيادة العسكرية التزمت بتقديم تقرير شهري يوضح مستوى التقدم، ما أنجز، وما هي الصعوبات التي واجهت التنفيذ. وبذلك، يصبح المعيار الحقيقي هو السير في التنفيذ المتدرج والعملي، لا التوقف عند التوقيتات التي قد تتأثر بالظروف».
لذا، جلسة مجلس الوزراء وما تلاها من بيان ومواقف تكشف أن الحكومة تحاول الموازنة بين التمسك بخطة الجيش كمسار داخلي يعكس الإرادة الوطنية في فرض حصرية السلاح، وبين إبقاء الباب مفتوحا أمام الجهود الديبلوماسية الدولية، بما فيها الورقة الأميركية، ضمن أفق تطبيق القرار 1701 ووقف الأعمال العدائية. وبين هذا وذاك، تبقى الأنظار شاخصة إلى كيفية ترجمة الجيش لخطته على الأرض، ومدى تجاوب الأطراف السياسية معها، فضلا عن ردود الفعل الإسرائيلية والدولية التي قد تحدد وتيرة التقدم في هذا الملف البالغ الخطورة.