اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١١ شباط ٢٠٢٥
منذ 3 سنوات تقريباً ووزارة المال السابقة في لبنان تمارس أقصى درجات الغموض المالي، لا سيما بعد أن توقفت عن إصدار بياناتها مرفقة بالموازنات كما كان يحصل قبل العام 2022، تحت 'حجج' لا يمكن الركون إليها مثل انقطاع الكهرباء أو الإضراب، وهو حتماً يضرّ بشفافية عملها، وبالتالي يرسم الكثير من الشكوك حول أداء العاملين فيها.
المدير العام السابق للمحاسبة العموميّة في وزارة المال أمين صالح يُشير لـ 'نداء الوطن'، إلى أنّه 'عندما يطرح مشروع موازنة على مجلس النواب، كانت تجري العادة على أن تقدَّم معه جداول سنويّة بتحصيلات الضرائب والرسوم وهي واردات الدولة عن السنة السابقة والأشهر المُنصرمة من السنة. وكانت وزارة المال تنشر كل شهر تقريباً البيانات الماليّة المُتعلقة بجباية الضرائب والرسوم وتصرّح شهريّاً عن إيراداتها وصادراتها على مختلف أشكالها لتقوم بمقارنة ما بين الشهر نفسه خلال السنة الجارية والماضية. إلى ذلك، كانت تضيف الوزارة في الجدول نفسه الواردات المتأتيّة لخزينة الدولة من أموال خاصة وقروض ومبالغ محجوزة وغيرها، فتتبيّن قيمة الواردات التي دخلت إلى الخزينة من الضرائب والرسوم ومن مصادر أخرى لتحديد نسبة التقدم أو التراجع في تحسين الواردات'.
مخالفة الشفافيّة
ويلفت صالح إلى أنّه 'منذ العام 2022 لم تعد تصدر هذه البيانات ولم تُرفق مع الموازنات وتمّ التحجّج بانقطاع الكهرباء وإضراب موظفي القطاع العام كأسباب لعدم صدورها'، مُشدّداً على 'مخالفة ذلك مبدأ الاستقصاء والشفافيّة لأنه لا يُمكن معرفة واقع الجباية وإنْ كانت الدولة تتأخرّ أو تتقدَّم فيها، والحكم على هذا الأساس، خصوصاً وأن الموازنة والآراء النقديّة والقرارات الضريبية يجب أن تُبنى على معلومات صحيحة'، سائلاً: 'كيف تقدم الدولة على زيادة الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 40% عام 2025 من دون معرفة قيمة التحصيلات في السنوات الماضية؟'.
ويعتبر صالح أنّه 'من غير المقبول الاستمرار على هذا المنوال، وحجّة وزارة المالية السابقة أصبحت ساقطة لأنّ لا أحداث تمنعها من إصدار البيانات. فما السبب؟ هذا الواقع يدفعنا إلى طرح علامات استفهام عمّا إذا كان الدافع الحقيقي هو عدم إعطاء معلومات صحيحة وإحاطة الواردات بالغموض، مع شكوك حول تضليل الرأي العام في ما يتعلق بالجباية'.
إلى جانب الواردات، يوضح أنه 'كانت تصدر بيانات سنويّة عن وزارة المال حول عمليّات الموازنة أي ما تم إنفاقه من الموازنة العامة بالمقارنة مع السنة الماضية، وهذا البيان لم يصدر منذ كانون الأوّل2021. وكان يشمل أيضاً عمليات الخزينة أي النقد الذي يدخل الخزينة من خارج عمليات الموازنة مثل كفالات، تأمينات، ودائع، للكشف عن حجم النقد في الخزينة وما إذا كان هناك فائض أو عجز وكيف يؤمَّن العجز'.
ويُذكّر بأنّ 'هذه المعلومات دقيقة، وتظهر ما إذا كانت الأموال المُتدفّقة إلى الخزينة هي عمليات قبض (أي مقبوضات) وهل هي كافية لتغطيّة عمليات الدفع أي الأموال التي تخرج من الخزينة، ليتضح ما إذا كان هناك فائض أو عجز وعلى هذا الأساس تبنى السياسات الماليّة ويتم تفعيل الواردات وخفض النفقات وغيرها من القرارات النقدية'.
أرقام مشكوك فيها
ويختم صالح: 'لا يجب أن ننسى البيانات التي كانت تصدر عن الديْن العام الإجمالي والصافي وبالعملة الوطنية واليوروبوندز والفوائد المدفوعة على اليوروبوندز، إضافةً إلى إيداعات القطاع العام في المصارف… كلها بيانات لم تعد موجودة والأرقام التي يعلن عنها الباحثون اليوم غير دقيقة. حتى أن أرقام مصرف لبنان حول قيمة الديْن العام مشكوك في صحتها وهي لا تتطابق مع بيانات وزارة المال غير المتوافرة. حتى النشرات الشهريّة للمركزي حول الودائع وميزانية المركزي والمصارف تحمل أرقاماً مُتشابهة وهذا غير منطقي'.
ووفق المشهد السوداوي الذي تعاقب على رسمه وزراء مال عدّة، فإنّ التعويل اليوم على 'نفضةٍ' تُعيد لهذه الوزارة الصورة الواضحة في رسم السياسات الماليّة والاقتصاديّة بكل شفافية تماهياً مع حكومة 'الإصلاح والإنقاذ' التي ينشدها رئيس الحكومة نواف سلام.